ياسر أيوب
لم تكن هلسنكى 1952 مجرد دورة أوليمبية أخرى استضافتها فنلندا في يوليو 1952.. إنما كانت الدورة التي غيّرت الكثير جدًا من قواعد اللعبة الأوليمبية، وشهدت بداية الاستخدام السياسى للألعاب الأوليمبية الذي لايزال قائمًا حتى الآن.. وبدأت الحكاية بقرار اللجنة الأوليمبية الدولية سحب دورة 1940 من طوكيو نتيجة الحرب الصينية- اليابانية وإسنادها إلى هلسنكى.. وقامت الحرب العالمية الثانية، وتم إلغاء دورتى 1940 و1944 أيضًا التي كانت ستقام في لندن.. وبعد الحرب أصرت لندن على استضافة دورة 1948 دون تصويت كمكافأة لها بعد الانتصار في الحرب على ألا تشارك فيها بلدان المحور المهزوم.. وتمت دعوة الاتحاد السوفيتى للمشاركة كشريك في الانتصار.. ولأن الحرب الباردة كانت قد بدأت بالفعل بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة، والشرق بقيادة الاتحاد السوفيتى.
رفض ستالين مشاركة الاتحاد السوفيتى في دورة لندن.. فلم يكن الاتحاد السوفيتى مهيأ رياضيًا للمنافسة ولم يشارك سابقًا في أي دورة أوليمبية، ورفض ستالين أن تصبح الرياضة صورة جديدة حزينة لبلد انتصر في الحرب وبدأ صراعه الطويل مع الغرب مع وعد بالمشاركة في هلسنكى 1952.. ونتيجة للحرب الباردة منح كثيرون أصواتهم لهلسنكى كمدينة نائية بعيدة عن ساحات الحرب والمطامع.. وأسهم في فوز هلسنكى تسابق غريب بين خمس مدن أمريكية تقدمت رسميًا بطلب استضافة ألعاب 1952.. لوس أنجلوس وشيكاجو وديترويت ومينابوليس وفيلادلفيا.. وكانت المرة الأخيرة التي تتنافس فيها أكثر من مدينة في دولة واحدة لاستضافة نفس الدورة الأوليمبية.
وطيلة أربع سنوات بعد 1948.. أنفق الاتحاد السوفيتى الكثير جدًا من المال لإعداد بطلاته وأبطاله لهلسنكى.. وعلم الأمريكيون بما يجرى في موسكو فزاد إنفاقهم واهتمامهم بلاعبيهم.. وهكذا بدأت الحرب الرياضية الحقيقية، ولم تعد الدورات الأوليمبية مجرد ساحات للعب دون اهتمام كثير بمن يفوز أو يخسر، بل أصبحت كل مباراة وميدالية كأنها معركة من أجل شرف دولة وكبرياء شعب.. وأقيمت الدورة لتكون أكبر مفاجآتها احتلال الاتحاد السوفيتى المركز الثانى في ترتيب الميداليات بفارق خمس ميداليات فقط بعد الولايات المتحدة، رغم أنها كانت المشاركة السوفيتية الأوليمبية الأولى.. ومفاجأة أخرى كانت تفوق الشرق على الغرب، فكانت المجر الثالثة، وتشيكوسلوفاكيا السادسة، مقابل فرنسا السابعة، وبريطانيا الثامنة عشرة.. وكان كل ذلك بداية لتحول أي سباق رياضى إلى منافسة سياسية ودعائية.. وتعلم العالم كله من الأمريكيين والسوفييت فائدة وقيمة جديدة للرياضة.. وبات كل بلد ينفق على الرياضة قدر استطاعته سواء للفوز ببطولة أو ميدالية أوليمبية أو لاستضافة بطولة أو دورة رياضية حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بسلاح السياسة أو المال أو الإعلام.
نقلا عن المصرى اليوم