مدحت بشاي
طفل نازح إلى المجهول.. طفل تحت الأنقاض يصرخ.. طفل مُصاب ينشد العلاج.. طفل معتقل يعانى العسف والجور.. طفل يُعذَب بلا رحمة.. طفل متابع لمشاهد رحيل أفراد عائلته تحت ويلات القصف الجنونى.. طفل بلا أطراف.. طفل جعل من الحجر وسادة لينام فى العراء تحت رخات المطر.. طفل يُعانى الجفاف والعطش.. طفل يُلقن طفلًا آخر آيات الشهادة كان يجاوره على بلاط المستشفى عندما لاحظ بخبراته السابقة أنه يعانى سكرات الموت.. طفل حُرم اللعب وغادر زمن المرح وما عاد يعرف النوم لمعاناته من الجوع والعطش.. طفل تضع له أمه قطعة سكر في المياه المالحة ليشرب دون بكاء.. طفل حُرم من الذهاب إلى المدرسة.. طفل نُسفت ألعابه.. طفل لم يغادر أذنه صوت فرقعات القنابل المخيفة، ولم تنسَ عيونه مشاهد القتل المرعبة والدماء التى تنفجر من أجساد الشهداء.. طفل توقفت جلسات غسيل كليته.. طفل توقف علاجه من السرطان.. طفل يعانى بشاعات رحلات التهجير القسرى.. طفل يسأله مراسل صحفى "بتحلم تكون إيه لما تكبر؟" فيرد بأسى "إحنا الفلسطينية لا نكبر.. إحنا بنموت!!".
نعم، تذكر إحصائيات رصد الأرقام أن يد الغدر والخسة والبشاعة تنال من حياة 6 أطفال كل ساعة.. أكثر من 5000 طفل ارتقوا، وآلاف أكثر من المصابين منذ بداية الحرب على غزة!!
تحدث كل تلك البشاعات وتبعاتها ضد الطفل الفلسطيني بينما تحل مناسبة "يوم الطفل العالمى" فى 20 نوفمبر من كل عام.
وليسمح لى قارئ موقعنا "الدستور" بالتوقف عند بدايات التفكير فى تخصيص يوم للاحتفال العالمى بالطفل، ونعود لما حدث فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت محنة الأطفال فى أوروبا وخيمة، وأنشأت الأمم المتحدة وكالة جديدة وكثفت عملها فى توفير الغذاء والملبس والرعاية الصحية لهؤلاء الأطفال.
وفى عام 1953، أصبحت "اليونيسف" جزءًا دائمًا من الأمم المتحدة، وبدأت حملة عالمية ناجحة ضد الداء العليقى، وهو مرض تشوهات يؤثر على الملايين من الأطفال، ويمكن معالجته بالبنسلين.
فى أعقاب حرب عام ١٩٤٨، تم تأسيس الأونروا بموجب القرار رقم 302 (رابعًا) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئى فلسطين، وبدأت الوكالة عملياتها فى الأول من شهر مايو عام 1950.
فى عام 1959، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل، الذى يحدد حقوق الطفل فى الحماية والتعليم والرعاية الصحية والمأوى والتغذية الجيدة.
لكل طفل الحق في الصحة والتعليم والحماية، وكل مجتمع لديه مصلحة فى توسيع فرص الأطفال فى الحياة، ولكن، فى جميع أنحاء العالم لا يزال الملايين من الأطفال يحرمون من فرصة عادلة بسبب البلد أو الجنس أو الظروف التى يولدون فيها.
ولكن إسرائيل، التى صرخت يوم 7 أكتوبر الماضى، زاعمة أن من حقها الدفاع عن نفسها وهي دولة احتلال، ورغم ما يقال عن توقيعها على ذلك الإعلان العالمى لحقوق الطفل، فقد غادرت قواتها الغبية بوحشية وغياب ضمير كل مفاهيم الإنسانية فى التعامل مع الأطفال، بل وضربت بوحشية منشآت الأونروا، ليستشهد داخلها مئات الكبار والأطفال، وتترك على أرضها مئات المصابين.
وذكرت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فى بيان، أن مشاهد قتل الأطفال وطلبة المدارس فى قطاع غزة تجاوزت كل الأعراف والمواثيق، إذ تكشف هذه المشاهد المروعة، التي تتناقلها شاشات التليفزيون ووسائل الإعلام، عن عقلية الاحتلال واستهدافه المتواصل للتعليم في كل محافظات الوطن.
وفى الضفة الغربية، التى لا تشهد حربًا مثل غزة، قتلت إسرائيل 52 طفلًا خلال شهر واحد بعد اندلاع الحرب على غزة، ولم يشهد أى شهر منذ بداية احتلال الضفة عام1967 مقتل هذا العدد الكبير من الأطفال فى الضفة، وفق تقرير لشبكة "سكاى نيوز" البريطانية.
أخيرًا، تعظيم سلام وألف تحية للموقف المصرى.. الرئيس القائد الذى واجه وقرر كرجل دولة بكل قوة الانتصار للحق، والمواطن المصرى الذى اندفع بحماس وإعمال للمشاعر الإنسانية فى انتفاضة دعم للمواطن الفلسطينى السجين على أرضه.
ولدينا ألف سؤال وسؤال حول عجز الدنيا بأسرها فى أن تمسح دموع أطفال غزة، وخيبة كل الحيل فى تنفيذ قرار واحد من مئات قرارات الأمم المتحدة فى شأن تحرير آخر أرض محتلة على الكرة الأرضية، وسؤال موجه إلى مؤسسة نوبل: ألا يستحق الطفل الفلسطينى جائزة نوبل؟!
نقلا عن الدستور