القمص يوحنا نصيف
وُلِد العلاّمة أوريجينوس بالإسكندريّة عام 185م، واستلم إدراة مدرسة الإسكندريّة اللاهوتيّة في عام 202م وتَلمَذَ كثيرين، ثمّ انتقل إلى فلسطين في عام 231م وأسّس مدرسة لاهوتية في قيصريّة، تَلمَذَ فيها أجيالاً عديدة منهم القدّيس غريغوريوس الصّانع العجائب، وظلّ بها حتى انتقاله في عام 254م..
يسعدني أن أُقدّم في هذا المقال بعض مقتطفات بديعة من أقواله عن شفاعة الملائكة، وصداقتهم لجنس البشر، ومعاونتهم لنا بالصلاة.. وهي عقيدة أُرثوذكسيّة متأصِّلة في الكنيسة منذ القديم..
+ إلى جوارنا، عددٌ كبير من الكائنات (السمائيّة) التي تُثبِت على الدوام صداقتها لنا.. فحينما يُصلّي المؤمنون إلى الله بحرارة، يؤازرونهم من أجل خلاصهم.. بل ويصلّون أيضًا من أجلهم، لأنّهم "أرواح خادمة، مُرسَلة لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14). لأنّ النبيّ يقول: "ملاك الرب حالٌ حول خائفيه، وينجّيهم" (مز34: 7).
+ الملائكة التي ترى وجه أبي في السماء على الدوام (مت18: 10) يقدّمون صلواتهم إلى الله، بواسطة الوحيد رئيس الكهنة الأعظم، ويَضُمُّون صلواتهم إلى صلوات أولئك المنوط بهم حراستهم.. الموضوعين تحت عناية الله.. لأنّ الله يرسل ملائكته الأخصّاء، ليكونوا دائمًا في خدمة الأتقياء الذين استودعوا أنفسهم لله، حتّى لا تؤذيهم الملائكة الأشرار، ولا حتّى المدعو "رئيس هذا العالم".
+ نحن نَعلَم أنّ كلّ الذين يحوزون على رِضى الله، فإنّ الملائكة لا تكون فقط على استعداد المعونة لهم، بل إنّها أيضًا تشترك معهم في جهادهم حسب مسرّة الله، وتُتَمِّم كلّ نِعَم الله عليهم. يشتركون معهم في الصلاة والتضرُّعات بصلواتهم وتضرُّعاتهم من أجلهم.
+ كلّ الذين قد جعلوا كلّ أملهم في الأمور الصالحة، حينما يُصلُّون إلى الله، يجدون عشرات الألوف من القوّات المقدّسة بجوارهم، حتّى وبدون أن يُطلَب منهم، نجدهم يُصلُّون معهم، وكّأنّهم دروعٌ لهم، لأنّهم يكونون في اتّفاقٍ شديد مع جنسنا المائت هذا. وذلك لأنّهم يُبصِرون الشياطين وهم يتناحرون في حربهم ضدّ خلاص الذين كرّسوا أنفسهم لله، وبالأكثر حينما يكتشفون مدى وحشيّة الحِقد والكراهية التي تحملها الشياطين ضدّ الإنسان.
+ إنّ الملائكة في السماء "الذين يفرحون بخاطئ واحد يتوب" يُقدّمون الصلوات مع الذين يُصلّون بإخلاص. وكذلك أيضًا أرواح القدّيسين.. فالملاك رافائيل قدّم صلاة لله عن كلٍّ مِن طوبيا وساره، بينما كانا يصليان معًا...
+ يوجَد مكان لائق للصلاة، له روعته وبهاؤه. الموضع الذي يجتمع فيه المؤمنون، حيث تقف القوّات الملائكيّة مع المجتمعين، مع قوّة الرب المخلِّص، وكلّ الأرواح القدّيسة، أرواح الذين رقدوا، وأيضًا الذين لا يزالون أحياء.. حيث تَحضِر أعداد من الملائكة المقدّسين لتسبيح المسيح، حيث ينضمّ إليهم ملاك كلّ واحد من الملائكة الملازمين لخائفي الرب. فيُخيّمون (يحلّون في المكان) جميعًا معًا، وهكذا عندما يجتمع القدّيسون، يُصبِح هناك كنيستان؛ كنيسة البشر مع كنيسة الملائكة.. فلا نحتقر إذا الصلوات التي تُقام في الكنيسة.. لأنّ الملائكة تقف لحراستها.. فبخصوص مكان الصلاة، يا لمجد المكان! ويا لسموّه فوق كلّ مكانٍ آخَر، حينما يجتمع القدّيسون معًا بالتقوى في كنيسةٍ..
[المرجِع: كتاب "الملامح الوثائقيّة والليتورجيّة لكنيسة الإسكندريّة في الثلاثة قرون الأولى" للقس أثناسيوس المقاري]
القمص يوحنا نصيف