القمص أثناسيوس فهمي جورج
عاشت حياتها وكأنها تكتب مسودة لسياق حياتها الابدية الاتية . تلك الحياة  التي تجمعت كلها فى كثافة لحظة انتقالها ، فاضأءت نسختها الصحيحة الكاملة وانسكبت عند النياح . كانت تاسوني انجيل  واعية لحقيقة سر الحياة فى المسيح يسوع ، الذي كرست له حياتها بالنذور ، رافضة كل عزاء بشرى من اجل عريسها السماوى ، سالكة مسلكه ..  مرتشدة بتدبير القديس البابا كيرلس السادس الذى بارك مشروع بيتها عند اقترانها بأبينا القمص بيشوى كامل ( سامى كامل ) لتحمل معه صليب الطريق وتشاركه كأس الصبغة التى بها اصطبغ .

فالله الهنا في كل جيل يوجد له شهود !!  وقد اوجدها لتكون ابهى ايقونة لزوجة اقدس كاهن ضمن قديسي  هذا الجيل ، ولكى تكون سيرة ماكرينا وباولا وميلانيا وسنكيليتيكي واستوكيوم  ، ليست مجرد سير لشخصيات عاشت من  تاريخ سحيق ، لكنها ضمن سنكسار معاش و معاصر ، تخط فيه يد الله كل يوم اعمال نعمته الفاعلة فى الزمان والمكان .

سيرة تاسونى انجيل اعادت للاذهان سيرة القديسة ماكرينا و اخيها باسيليوس الكبير ، وسيرة مارسلينا واخيها امبروسيوس ، متمثلة بهم في خدمتها مع ابا ديمتريوس مطران ملوي  ومع اخواتها الراهبات اغابي ويوستينا ( فيكتوريا وعايدة ) واخويها وعمها الكهنة ، ود. فايز وا. مرقس  والمتنيح  م. فيكتور ، الذين كانوا يهرعون باكرا الي صلوات القداسات مع البابا كيرلس السادس ، من بيتهم في حي العطارين الي جوار كنيسة

 مارمرقس الكبري . لقد رسمت انجيل ، قدامنا حياة ملائكة الله ، لانها كانت بحق اسماً  - ( انجيل ) -  على مسمى : فى بداهتها وعمقها وخفه جسدها وحيوية حركتها ، واجتهاد نشاطها ضد الغفلة . حياة فى مجملها قماشة نسيج للتسبيح والطاعة والصبر والسهر والصمت والصوم والفرح الواعى وفطنة الاولين .

لقد نست بل وجحدت ذاتها وعملت اعمالاً غير مألوفة ، فإفتقرت اختيارياً وعاشت بتوليتها وهى الزوجة العفيفة ، التى قدمت للمسيح راهبات وعذارى ومكرسات وبنات فى كل بقاع العالم ، جاذبة لكثيرات بسبب حياتها الخاصة ، وصائرة كأم لهن ، ونور عفوى يشع من عينيها على اولئك العذارى السائرات على خطاها .

انها ليست تاسوني كما  يسمونها ، لكنها "تماف " الحاملة للنير كشريكة حياة ابينا القمص بيشوى منذ بدايات تأسيس كنيسة مارجرجس باسبورتنج ، ثم الكنائس الممتدة التى بناها بدموعه ودمه وغيرته النارية علي خلاص النفوس .

حياة تاسوني انجيل كانت صفحات لمسيرة توارت هي فيها خلف الصليب ، فأثمرت بالصبر والاسفار حتى ايامها الاخيرة ، وبتغصبها غلبت النزعات الطبيعية ، ووضعت عينيها على الهدف ، بالبعد عن البرودة والفتور ، و اباطيل المجد الفارغ ، وكل مكاسب المتكأت الاولى . حتي عبرت كعابرة سبيل ، ووجدت حياتها واشترت من اشتراها ، فصار اسمها حلو كالعسل فى افواه وقلوب الناس . وسيبقى ضمن الخزين الروحى ورصيد مجد البيت الاخير الموروث لنهاية الزمان .

لقد صعدت المصاعد لانها اكتفت بالقوت والكسوة ، و بالقدر القليل من كل شئ وهى التي تغنى كثيرين ، صعدتها بحفظها للسكون والاعتدال ولباسها الابيض الذي  تزينت به ، وهو لن ينقطع عنها ابداً ، صعدت لانها جاهدت ضد الطبيعة لاطفاء لهيب الشهوات ، بدموع فرح الالام الخادمة الرزينة البعيدة عن البهرجة وزخاف العالم وخداعه ، صعدت باستقامة حياتها واعمالها لتتكلم بسيرتها ، فلم تفتخر يوماً بعلو قامتها ولا بانجازات ، جنى العالم كله ثمارها ، مسموعه ومرئية ومكتوبة ومبنية ومروية ، ملء السمع والبصر ، لكنها حسبت انها كلها كلا شئ . وتشهد لها جماعة المؤمنين بانها  العابدة على الدوام ، صديقة القديسين ورفيقة النساك وملهمة العذارى والراهبات ، خادمة لكل احد لانها (تاسونى) التى نحتت هذا المصطلح وفعلته حياً فى كنيسة هذا الجيل ، ليبقى معاشاً ومختبراً .

واليوم جاء يوم نياحتها كتتويج لحياتها وبلوغها للمجد الاسني الذى لا يقاس ولا يعبر عنه .... وتجنيزها شهدناه كعرس ووليمة احتفالية ، جمع الدموع والمحبة وعطر الناردين والتسبيح واحياء اللغة  القبطية والقدوة وتثبيت الاشتياق السماوى .

عندئذ اجتمعت الشعوب لتودعها بالوفاء لها ولشريك حياتها   ، ولسان حال الكل يعطى المجد لله ، الذي ثبت كنيستنا حية وحلوة وممتدة وصانعة للقديسين المعينين للحياة الابدية ، علي مدي الدهور .