عبد اللطيف المناوي
منذ عدة أيام، طرحت تساؤلًا في نهاية مقال قلت فيه: «هل قطعتَ عيش مصرى اليوم؟»، ويبدو أن «قطع العيش» بدأ أو يكاد، حيث ترددت أنباء مؤخرًا، لم يتم تأكيدها، أن عددًا من الشركات المصرية مالًا واستثمارًا، والتى تحمل علامات تجارية عالمية.
بدأت خلال الأيام الماضية في تسريح عدد من موظفيها العاملين في فروعها المنتشرة في مصر بسبب تأثيرات حملة المقاطعة الأخيرة لها بسبب موقف الشركات العالمية مالكة العلامات التجارية من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتى أدت إلى سقوط آلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى وتدمير آلاف المبانى.
كما تردد أن إدارات هذه الشركات، بعضها مقاهٍ وبعضها مواد غذائية، أبلغت أعدادًا من الموظفين بالاستغناء عنهم بسبب التراجع الكبير في حجم مبيعاتها.
سبق أن حذرنا من قبل، فإن المقاطعة سوف تتسبب في استغناء الشركات والمصانع صاحبة العلامة التجارية في مصر عن العمالة المصرية، وهو ما يعنى «قطع عيش الناس» حرفيًّا.
والتساؤل البسيط، الذي يتجاهل الكثيرون مواجهته الآن: كيف تتم مقاطعة بعض المنتجات المتداولة في الأسواق المصرية، وفى المقابل عدم مقاطعة كل ما تستورده الدولة من الدول الأجنبية الداعمة لإسرائيل، والذى يصل إلى حوالى 80% من احتياجات الدولة المصرية من القمح وخلافه من السلع ومواد الإنتاج، هل نمتنع عن استخدامها؟.
لماذا لا توجد دعوات إلى مقاطعة السجائر الأمريكية، أو الأدوية الأمريكية والأوروبية؟، وماذا عن سيارات الركوب والنقل الأمريكية والأوروبية التي تُستخدم في كل تفاصيل الحياة؟.
أضيف لك من الشعر بيتًا، وأسأل عن القمح الأوكرانى، حيث كان رئيس أوكرانيا أول مَن أيد الجريمة الإسرائيلية في العالم، وكذلك شركة أبل الأمريكية، التي أعلن رئيسها عن تعاطفه مع إسرائيل ضد عدوان حماس، وأعتقد أن عددًا كبيرًا ممن يتأثرون وينشرون دعوات المقاطعة مستمرون في استخدام تلك المنتجات الغربية «الشيطانية».
أنا هنا لا أسخر أو أستنكر، لكنى فقط أحاول إعمال العقل. وعندما أحاول شرح الوضع الحقيقى، من وجهة نظرى، فإننى أحاول أن أتحدى الداعين إلى المعارضة ذهنيًّا. وأؤكد هنا أن هذا الموقف منطلقاته ذاتية شخصية مبنية على قناعات وليس توجيهات أو حملات، فلم أكن يومًا جزءًا من حملة، ولكن أحاول استحضار الحكمة من تجارب الحياة والآخرين.
وببساطة.. الذي يدعو إلى المقاطعة ويصر عليها فإن منطلقاته إنسانية وطنية لا مجال للتشكيك فيها، لكنها تتوجه إلى الهدف الخطأ الذي يكاد يكون أجسادنا نحن وليس مَن نستهدفهم، البعض يعتقد أن الظروف الحالية مناسبة جدًّا لإحداث تغيير من شأنه دعم المنتج المحلى والاقتصاد وتغيير سلوك المستهلك. وهذا حديث آخر.
نقلا عن المصري اليوم