خالد منتصر
يحتفل العالم بمرور ١٦٤ سنة على صدور أهم كتاب بيولوجي في التاريخ ، وهو كتاب أصل الأنواع لداروين ، وبهذه المناسبة وصلني من أستاذي د ناجي اسكندر أستاذ الفسيولوجي بطب القاهرة هذه الرسالة:كتاب اصل الانواع نشر في ٢٤ نوفمبر منذ 1859 لأعظم علماء التاريخ تشارلز دارون والذي وضع أسس أهم نظرية علمية في التاريخ.
وكان ذلك دون أن يمتلك دليلا صلبا مؤكدا علي حقيقتها بل مجرد ملاحظات عميقة من عبقري مدقق ولكنها وفي وقتها لم ترقي لان تشكل دليلا دامغا بل فقط لتفتح افاقا للتفكير في تلك الأطروحة.
ثم جاء هذا الدليل الدامغ والمؤكد لحقيقة الأصل المشترك للأحياء وذلك بعده بعقود في 1881 وهو بدايات إكتشاف الشفرة الجينية التي يتشارك فيها كل الاحياء وهي DNA ونسختها من المسنجر RNA وانواع RNA الأخري اللازمة لصناعة الجزء النشط في الأحياء وهو أهم المواد العضوية التي هي البروتينات.وفكرة الشفرة هي وجود خمسة قواعد نووية فقط في DNA و RNA ، ترمز كل ثلاثية منها لأحد الاحماض الامينية العشرين الاساسية لصنع بروتينات الأحياء التي تشكل الجزء النشط في هذه الأحياء.
وهذه الشفرة موجودة في نواة الخلية بين ضفتي شريط جيني في هيئة سلم نقال تمثل درجاته هذه القواعد النووية ويختلف طوله حسب تعقيد الكائن الحي ليصل طوله الي 3.2 تريليون قاعدة نووية في الحمض النووي للانسان. والمذهل أن كود هذه الشفرة واحد لكل الكائنات الحية من أدق الكائنات الحية وهي البكتيريا إلي أعقدها وهو الإنسان. وذلك يؤكد ومع أدلة أخري دامغة لا مجال لشرحها الان علي الاصل المشترك لكل هذه الأحياء.
ولكني أركز اليوم فقط علي أهمية تطبيقات تلك النظرية لاستمرار الحياة وأن تجاهلها من الممكن أن يؤدي إلي فناء الجنس البشري وذلك ما جعل من دارون أعظم العلماء في التاريخ. وأكتفي بذكر القليل منها - خمس تطبيقات - واركز اليوم في ثلاثة منها علي التطبيقات في المجال الطبي الذي امتهنه :
١) الانتقاء الصناعي لسلالات أفضل من النباتات والحيوانات وقد أدي ذلك إلي اختفاء المجاعات من معظم مناطق العالم رغم تخطي عدد البشر اليوم الثمانية مليار.
٢) في مجال الطب تم التركيز علي انتقاء المضاد الحيوي الانسب للقضاء علي نوع معين من البكتيريا عن طريق المزارع البيولوجية وحتي لا ننتهي بنوع من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية التي قد تؤدي إلي فناء الجنس البشري.
٣) نظرا لتطابق فكرة الحمض النووي في جميع الاحياء حتي بين البكتيريا والانسان؛ فقد كان واحدا من اعظم الانجازات الطبية هو تخليق الانسولين البشري human insulin اللازم للعلاج الفعال لمرضي السكر والذي يصيب حوالي 10% من البشر وكان ذلك عن طريق اعطاء نوع من البكتيريا وهو E coli لشفرة الانسولين البشري لتقوم قراءة هذه الشفرة في مصانع انتاج البروتينات في هذه البكتيريا وبنفس الطريقة التي تحدث في الجسم البشري ولتقوم بتصنيع الانسولين البشري وبارخص وأكثر الطرق فاعلية.
٣) تصنيع فاكسينات المسنجر RNA والتي انهت سطوة وباء الكوفيد ١٩ وليكون بذلك هو أسرع فاكسين تم انتاجه في العالم. وليفتح افاقا جديدا تنهي سطوة أي وباء فيروسي محتمل في المستقبل وبمجرد تحديد الشفرة الجينية لهذا الفيروس والتي لم تعد تستغرق غير ايام قليلة لتحديدها واسابيع قليلة لانتاج الفاكسين المناسب .وعليه نستطيع أن نقول اليوم وبملأ الفم وداعا للأوبئة الفيروسية . بل ان تكنولوجيا المسينجر RNA سيتم بها محاربة الكثير من أنواع الخلايا السرطانية لتفتح مجالا جديدا في علاج مرض السرطان .
٤) اعتمادا علي الأصل المشترك الجيني لكل الكائنات الحية فانه يتم الان التجارب علي استخدام هذه الادوات - خاصة الجينات والانزيمات المشتركة والتي تقتصر وظيفتها علي إصلاح العيوب الوراثية أو المكتسبة لهذه الشفرة الجينية - وعليه يمكن استخدام تلك الادوات في القيام بالاصلاح العلاجي لهذه العيوب،وسوف يستخدم ذلك التطبيق في علاج التشوهات والعيوب الخلقية والامراض السرطانية بل وفي انتاج الاعضاء البشرية لتعويض ما تلف منها في المرضي من البشر.. باختصار نحن علي أعتاب أفاق طبية جديدة غير مسبوقة وغير محدودة في تقدم العلوم الطبية وباسرع مما نتصور.
٥) يمكن تحسين وتعديل الصفات الجينية لكثير من النباتات والحيوانات وحتي البكتيرية لما يناسب رفاهية وحياة الجنس البشري.ويعوزنا الكثير من الوقت للاسترسال في بقية التطبيقات ولكننا نكتفي بهذا القدر وهو قليل ضمن فيض كثير.تعقيب هام لابد منه : الأصل المشترك الواحد لكل الأحياء وبتفصيلاته المعقدة جدا جدا. والذي لم نعرف عنه الا القليل لا ينفي - بل علي العكس يؤكد علي - وحدانية وجود خالق واحد حكيم عليم قدير فانه من المحال أن تقوم العشوائية التلقائية بخلق هذه الشفرة الواحدة بالغة التعقيد وبادوات وتفصيلات لا يستطيع العقل البشري أن يدرك عنها الا ومضات من بهاء نور عظيم ولكن لتلك الفكرة مقام أخروعليه فاحب أن أضيف واؤكد أن عظمة تشالز دارون لم تكن في إختراع الأصل المشترك وانما فقط في التنبيه الي تلك الفرضية وإلي دعوة الأخرين للبحث ورائها والاستفادة من تجليات بهائها.
نقلا عن الوطن