د. عوض شفيق
في حرب غزة الآن، فقد حدث انقلاب القانون الدولي الإنساني رأساً على عقب، فقد حدثت انتهاكات لا تعدّ ولا تحصى لهذه المعاهدات وللمبادئ الإنسانية الأساسية، الأمر الذي أدى إلى معاناة ووفيّات كان بالإمكان تفاديها لو تمّ احترام القانون الدولي الإنساني.

والرأي السائد يرى بأنّ انتهاكات القانون الدولي الإنساني لا تعود إلى عدم ملاءمة قواعد هذا القانون، بل إلى نقص في الإرادة باحترامها، ونقص في وسائل إنفاذها، والشك حول ضرورة تطبيقها في بعض الحالات، وكذلك إلى جهل بهذه القواعد من قبل القادة السياسيين، والقادة العسكريين، والمقاتلين، وعامة الشعب.

ويبدو أن هناك لغة تفاهم مشتركة بين الوسطاء في المهادنة الإنسانية إطلاق الرهائن التي تحتجزهم "حماس" مقابل المحبوسين الفلسطينيين في سجون إسرائيل، لا يعرفها القانون الدولي الإنساني. فقط تمارس اللجنة دورها المنوط بحيادية، كل يوم هدنة تستلم اللجنة من مصر وقطر وحماس وإسرائيل الوسطاء بقائمة من الأسماء المزمع تحريرهم كرهائن مدنيين من حماس مقابل افراج فلسطينيين كموقفين أو محبوسين.  

أما ادعاء إسرائيل بأنها تمارس أنشطة تجسس، فقد سبق وأكدت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيدة «ميريانا سبولياريتش» في بيان لها من أسبوعين عند استقبالها عائلات الرهائن وزيري الخارجية والصحة الإسرائيليين مع العائلات وطالبت باتفاقات أمنية لأداء مهمتها الإنسانية والترخيص لها بزيارة الأماكن، وطالبتهم أن يتفهموا أنه لا يمكن للجنة الدولية الوصول عنوة إلى أماكن احتجاز الرهائن. فلا سبيل لزيارتهم إلا في وجود اتفاقات تشمل الوصول الآمن."، كما أعلنت في اثناء زيارتها إلى قطر أول أمس وأضافت أن الاجتماع لم يأت في إطار مفاوضات لإطلاق سراح أكثر من 200 اسير احتجزتهم حماس.

عودة إلى المهادنة لأغراض المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح الرهائن والتي كنت أشارت إليها في مقالتى السابقة "ماذا يعنى وقف أطلاق النار والهدنة والمهادنة لوقف مؤقت للعمليات العدائية لمدة 4 أيام مع التمديد المهادنة ، لا يعنى نهاية قانونية لحالة الحرب في غزة.

ولإنهاء حالة الحرب في غزة يجب أن يكون هناك اتفاق عسكري بين الطرفين والوسطاء وإلغاء كامل كافة الأوامر العسكرية الصادرة من مجلس الحرب بنقل سكان غزة من الشمال إلى الجنوب مما سيؤدى إلى عمليات التهجير القسري إلى مصر والأردن .

وأخيرا، هل سيتم تبادل أسرى الحرب الجنود الإسرائيليين لدى حماس وإطلاق سراح أسرى الحرب في السجون الإسرائيلية بناء على مهادنات ومماطلات ووقف العمليات العدائية وفقا لأيام الهدنة فقط مع بقاء حالة الحرب قائمة؟ وإلى متى ستكون النهاية القانونية لحالة حرب فلسطين واسرائيل؟  

خلفية موجزة عن القانون الدولي الإنساني.
تعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تأسست في العام 1863، القوة المحركة لتطور القانون الدولي الإنساني. وتعود أصول القانون الدولي الإنساني إلى الممارسات العرفية للجيوش التي تطورت على مرّ العصور وفي جميع القارات. ولم يكن هذا القسم من القانون الدولي الذي يُعرف عادة بـِ"قوانين وأعراف الحرب"، يُطبّق من قبل جميع الجيوش، كما لم يكن يُطبّق بالضرورة تجاه كلّ الأعداء، ولم تكن القواعد المطبّقة هي نفسها.

فقد أطلقت اللجنة الدولية العملية التي أدّت إلى عقد اتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب للعام 1864، و1906، و1929، و1949. وكانت هذه اللجنة وراء وضع اتفاقية لاهاي الثالثة للعام 1899، واتفاقية لاهاي العاشرة للعام 1907 اللتين أفادتا، وعلى التوالي، من اتفاقيتي جنيف للعامين 1864 و1906 لوضع قواعد الحرب البحرية، واللتين مهّدتا السبيل لاتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار للعام 1949. كما قامت اللجنة الدولية بمبادرة من أجل تكملة اتفاقيات جنيف أدّت إلى اعتماد البروتوكولين الإضافيين للعام 1977.

وبالرغم من عدم اعتماد هذا المؤتمر لمعاهدة ملزمة، فقد جرى استخدام قسم كبير من أعماله في ما بعد في وضع اتفاقيات ولوائح لاهاي في العامين 1899 و1907. ومع أنّ هذه المعاهدات لم تدوّن كافة نواحي العرف، فقد أعيد التأكيد على أهميتها المستمرة في ما يُعرف بـ"شرط مارتينز"، الذي أدرج للمرة الأولى في ديباجة اتفاقية لاهاي الثانية للعام 1899، والذي ينصّ على ما يلي:
وإلى أن يحين استصدار مدوّنة كاملة لقوانين الحرب، ترى الأطراف السامية المتعاقدة من المناسب أن تعلن أنّ في الحالات غير المشمولة بالأحكام التي اعتمدتها، يظل السكان والمتحاربون تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي، كما جاءت من التقاليد التي سادت بين الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام.

وكذلك شجعت اللجنة الدولية على تطوير القانون، وشاركت في المفاوضات حول العديد من المعاهدات الأخرى، كاتفاقية العام 1980 بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، واتفاقية أوتاوا لحظر الألغام المضادة للأفراد للعام 1997، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للعام 1998.

وينعكس الإقرار بهذا الدور في التفويض الذي أوكله المجتمع الدولي إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعمل من أجل "التطبيق الأمين للقانون الدولي الإنساني المنطبق في النزاعات المسلحة" و"فهم القانون الدولي الإنساني المنطبق في النزاعات المسلحة ونشر المعرفة به، وإعداد أيّ تطوير لهذا القانون.

وللأسف، فقد اتسمت هذه الأعوام بانتشار النزاعات المسلحة التي أثرت على جميع القارات. وخلال هذه النزاعات، وفرت اتفاقيات جنيف- وبخاصة المادة الثالثة المشتركة في الاتفاقيات الأربع، المنطبقة في النزاعات المسلحة غير الدولية- أي بين النزاعات المسلحة بين القوات المسلحة النظامية وبين الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى بروتوكوليها الإضافيين، الحماية القانونية لضحايا الحرب، وخاصة الأشخاص الذين لا يشتركون في العمليات العدائية أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها (الجرحى، والمرضى، والغرقى، والأشخاص المحرومين من حريتهم لأسباب تتعلق بالنزاع، والمدنيين).

المصادر مقتطفات من دراسات اللجنة للقانون الدولى الإنسانى العرفى ، والصورة المقر الرئيسى للجنة فى جنيف
د. عوض شفيق