( 213م – 271م تقريبا )
إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 21 هاتور من الشهر القبطي ، الموافق 30 نوفمبر من الشهر الميلادي ( سوف نحتفل به هذا العام فى 1 ديسمبر حيث أنها سنة كبيسة ) ، بتذكار نياحة القديس غريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة الملقب بالعجائبي ( 213م- 271م تقريبا) . وأود في البداية قبل السرد فى سيرته الذاتية ، أن نفرق بين القديس الذي نحن بصدده ، وبين كل : القديس غريغوريوس النزينزي ( 329- 390 م ) ، والقديس غريغويوروس أسقف نيصص ( 335- 395م تقريبا ) . والقديس غريغوريوس الأرمني ( 257- 331 م ) . ويوجد أيضا قديس من الكنيسة الرومانية يدعى " غريغوريوس الكبير  أسقف روما ( 590- 604 ) بابا الكنيسة الرومانية رقم 64 .

أولا : حياته :
وعودة إلي القديس غريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة موضوع مقال اليوم ،  فلقد ولد حوالي عام 213 بمدينة قيصرية الجديدة من عائلة وثنية ميسورة ، أسمه الأصلي " ثيؤدوروس " Theodorus ، توفي  والده وهو  في الرابعة عشر من عمره ، فتولدت والدته رعايته ، وبعد أن انهي هو وشقيقه دراسة العلوم الرئيسية ، توجها لدراسة علوم البلاغة ، وكانا يترددان علي أستاذ للغة اللاتنية خبير بعلوم القانون ، فطلب منهما دراسة هذا العلم ، فتوجهوا   إلي بيروت ، ولظروف عائلية أنتقلا إلي قيصرية فلسطين ، وهناك تعرفا علي العلامة أوريجانوس  Origen of Alex(   185- 254 م تقريبا )  . فقلب حياتهما رأسا على عقب وغير كل مشاريعمها . فغيروا تخصص القانون ، وتوجها نحو الفلسفة ، وتتلمذوا تلمذة مباشرة علي العلامة أوريجانوس .  وآمنا بالمسيحية ونالا سر المعمودية ، وعندها تغير أسم " ثيؤدوروس " إلي " غريغوريوس . ولاسباب عائلية خاصة بالوالدة ، عادا إلي  الوطن ، وكان ذلك خلال عام  238 م تقريبا ،  ثم ترك العالم واتجه نحو الحياة النسكية ، وما لبث أن فاح عطره في كل مدن آسيا الصغري ، فرسمه مطران المدينة أسقفا علي قيصرية الجديدة ،ولم يكن قد بلغ بعد الثلاثين من العمر . فنال احترام الشعب كله ، وآمن بسببه كثيرون ، كما صنع عجائب كثيرة حتي لقب بالعجائي   ، وبعد خدمة مثمرة ، تنيح بسلام عام 271 م تقريبا ، ولقد ذكر المؤرخون أنه أستلم المدينة ولم يكن بها  إلا 13 مسيحيا فقط والباقي وثنيين ، فتركها ولم يكن بها إلا 13 وثنيا فقط والباقي مسيحين .  ( لمزيد من التفصيل حول سيرته الذاتية راجع :- القمص  أثناسيوس فهمي جورج ، القديس غريغوروس صانع العجائب ، موقع الأنبا تكلا هيمانوت St –Takla .org ) .

ثانيا :- كتاباته .
1-خطاب إلي المعلم أوريجانوس . :- وسوف يكون لنا مع هذا الخطاب وقفة تفصيلية بعد الانتهاء من ذكر قائمة كتاباته .
2-بحث موجه بشكل رسالة إلي شخص يدعي ثيومبوس ، وهو شخص وثني آمن بالمسيحية ، وكان يعتقد أن الله جالس علي عرشه ينعم بالسلام ولا يهمه أمر العالم ، فكتب هذه الرسالة للرد عليه .

3-الرسالة القانونية  :- وهي عبارة عن خطاب رد علي رسالة وجهها له أحد الأساقفة يسأله كيف  تتعامل الكنيسة مع الأشخاص التائبين ، كتبت حوالي عام 254م  . وكان رد القديس كالتالي " يتم البكاء في الخارج عند مدخل الكنيسة ، ويصرخ التائب إلي المؤمنين لدي دخولهم الكنيسة أن يصلوا لأجله  . والإصغاء للكلمة يجري داخل مدخل الكنيسة في الرواق الخارجي ، حيث يننتظر التائب حتي خروج الموعوظين . وليسمع الأسفار المقدسة والعقيدة ثم يخرج لأنه لا يزال  غير لائق للصلاة  . والساجدون منهم يسجدون عند المدخل ويخرجون مع الموعظين . وبعد هذا كله يسمح للتائب أن يشترك في الأسرار المقدسة " . ولقد خضعت هذه الرسالة للدراسة عدد  كبير من علماء الكنيسة عبر العصور .

4-اعتراف الإيمان :- وهو عبارة عن  شرح مختصر لعقيدة الثالوث .
5- رسائل متفرقة  ذكر بعض منها القديس ايرونيموس  Jerom ( 342 م تقريبا - 420 م  )  في كتاب " آباء الكنيسة  ، الأب رقم 65 ) .
6- ذكر بعض العلماء أن  تفسير سفر الجامعة المنسوب للقديس غريغوريوس النزينزي ، هو لغريغوريوس العجائبي وليس النزينزي .

7-تنسب له بعض الكتابات للرد على بدعة "سابيبلوس " ( الذي أعتبر  أن الثالوث القدوس اقنوم واحد مثلث الأسماء ) . وعظات على الأعياد وغيرها .

ثالثا :- قراءة في كتاب " خطاب إلي المعلم أوريجينوس " :-
كتبت حوالي عام 240 م تقريبا ، وهي تعتبر بمثابة قطعة من المديح في أوريجينوس ، وطبقا لتقسيم كواستن للخطبة ،  وكل  من يقرأ هذا الخطاب بتمعن ، يرى بوضوح عمق فهم أوريجينوس للكتاب المقدس وإنسانيته العالية ، والثقافة الموسوعية له التي تمكنه من استيعاب علوم عصره  مثل الفيزياء والرياضيات والفلك والطب ، وجعل منهم  أدوات تربوية ، كما  يظهر الخطاب روح الاعتدال والتمييز الذي تميز به ، وكيف  ينصح تلميذه غريغوريوس بأهمية الإطلاع علي جميع التيارات الفكرية والفلسفية المتاحة في عصره ، من غير  أن يتأثر بما بها مهملا ما هو أسمى . كما تكلم عن منهجه فى تفسير الكتاب المقدس ، الإنسان المادي الذي يقرأ الكتاب فلا يرى منه سوي الحرف ، فيتشكك ويؤدي ذلك إلي هلاكه . والإنسان الأخلاقي الذي ترفع عن الدنيويات ، فيقرأ الكتاب ، ويطبق منه ما هو اخلاقي . أما الإنسان الروحي فهو  الذي ترك كل شيء وعاش في الله حياة قداسة وتقوى ، هذا وحده الذي يستطيع فك الرموز والغوامض في الكتاب المقدس .

ويبدأ ق . غريغوريوس حديثه عن أوريجينيبوس بقوله " أنوي التحدث عن رجل يبدو  في الظاهر رجلا ، أما هو فبعون القادرين على تقدير ذاك السمو الذي ارتقت إليه نفسه ، قد تجاوز الحالة البشرية متخطيا إياها إلي حالة أفضل " ( خطاب إلي أوريجينيوس ، صفحة 3 ) .

تفاصيل أول لقاء بالعلامة أوريجينوس :-
ويذكر ق . غريغوريوس تفاصيل أول لقاء له بالعلامة أوريجينوس فيقول " استقبلتنا هذا الرجل منذ اليوم الأول ، عندئذ بدأت وللمرة الأولى تشرق لي الشمس الحقيقية  . في البداية كنا كحيوانات متوحشة ....... لكنه استخدم كل وسيلة ليقربنا منه . فكان يتحدث بمختلف الأحاديث ويشرح ، واضعا كل إمكانياته في الخدمة . ( نفس المرجع السابق ، صفحة 13 ، فقرة 74) .

أهمية الفلسفة في فكر أوريجينوس :-
وحول أهمية الفلسفة في فكر أوريجينوس كتب يقول " كان يمدح الفلسفة وعشاقها بأوسع المدائح قائلا : أنهم وحدهم يسلكون حقا الحياة  التي تناسب كائنات أنعم عليها بالعقل ، هم الذين يعرفون كيف يحيون مدركين ماهية أنفسهم ، وعالمين مسبقا بالخيرات التي يجب علي المرء ملاحقتها  والسيئات الحقيقة التي عليهم تجنبها...... كان يصرح وبحق ، أنه من المستحيل على الإنسان ممارسة أكمل عبادة  ، وبها يتشرف وينال كرامة ، إلا إذا تفلسف  ( صفحة 13 ، الفقرة 75 -79 ) .

منهج اوريجينوس في إثارة العقل وطريقة التفكير :-
كان يضيق علينا الحصار ، بطريقة تشبه السقراطية ، معثرا إيانا بكلماته ، ومتى رأنا نقفز خارج الطريق جامحين بالكامل كالأحصنة البرية ، وراكضين بدون تبصر في كل صوب ، عندئذ يعيدنا إليه ، بالإقناع والإلزام ، فنصبح هادئين وكأن لسعة أصابت أفواهنا  .... ولم يكن في البداية غير مؤلم ما كنا نحتمل من أحاديثه ، بسبب عدم اعتيادنا بعد أو تمرسنا علي اتباع العقل ، ورغم ذلك كان ينقينا  بعد أن هيأنا جيدا ، وجعلنا قادرين على استقبال كلمات الحقيقة  ( صفحة 17 ، 18 : الفقرة 97 ، 98 ) .

 دعوته إلي التعمق فى دراسة الأمور وعدم الاكتفاء بالظواهر أو القشور :-
كان يعلمنا عدم الاكتفاء بالخارج والظواهر التي هي في بعض الأحيان فاشلة ومزورة ، بل ان نبحث بتدقيق في جواهر الأشياء . وأن نطرق حول كل واحدة منها لندرك جمالها ، وعندها فقط ، نصادق على الخارج بعد أن نكون قد تنبهنا له بالكامل ( صفحة 19 : الفقرة  105 ) .

دعوته إلي الانفتاح علي جميع المدارس الفلسفية بدون أستثناء :-
لقد اجبرنا على قراءة جميع  نصوص الفلاسفة والشعراء القدامى ، بدون أن ننبذ أو نرفض  شيئا ، لأننا لا نملك وسائل الوسائل للحكم عليها . ...... ومن الضرروي  حسب رأيه الاحتكاك ومعاشرة جميع الفلاسفة الآخرين ، بدون تفضيل مدرسة أو تعليم يونانيا كان أم بربريا ، مع واجب التمرس فى جميعها . يطمح هذا التعليم إلي حكمة وحذاقة كبيرتين ، فلا نقع فى خطر الاستماع إلي كلمة هذا أو ذاك من الفلاسفة فقط ، وبالتالي الحكم أنها صحيحة حتى لو لم تكن كذلك أبدا  ( صفحة 25 : 27 :- الفقرات من 150- 154 ) .

منهجه فى تفسير الكتاب المقدس :-
كان يشرح بوضوح الغوامض والألغاز التي ترد غالبا في اللغة الكتابية ، ويشرح أسباب غموضها :فإما لأن الخالق يحب التحفظ مع الناس كي لا يدخل الكلمة الإلهي عاريا متكشفا في نفوس غير مستحقة ، أو لأن الخطاب الإلهي رغم طبيعته الواضحة والبسيطة ، يبدو لنا غامضا وملغوزا بسبب ابتعادنا عن الله ، وعدم تعلمنا سماعه . ..... وكان يعتبر أن الكلام المقدس لا يحمل بطبيعته أي التباس ، أو عدم إمكانية فهم ...... وهكذا إن حرص أحد على التعلم والتثقف عند الرجل ، ولو كان بنفس متصلبة أو بلا إيمان ، فأنه سيروم البقاء والإيمان بكلمته ، فيصبح تابعا للرب  .......... لقد تلقى هذا الرجل من الله العطية العظمى ، ومن السماء الحصة الفضلى ، أنه مفسر كلام  الله للبشر ، يفهم الأمور من الله  ، وكأنه يكلمه ، ويفسرها للبشر ليسهل لهم استيعابها ( الصفحات من 29 – 30 : الفقرات من  174- 181 ) .

أخيرا : الخلاصة التي تعلمها ق . غريغوريوس من العلامة أوريجينوس :_
لم يبق لنا شيء غامض أو مستور أو صعب المنال ، بل بالعكس ، أمكننا تعلم كل علم ، بريريا كان أم يونانيا ، غامضا أو واضحا ، إلهيا أو بشريا ، لأننا وبلء حريتنا كنا نبحث كل شيء ونفحصه ونمتليء  من كل متمتعين بالخيرات الروحية من جميع الأنواع .......... وبكلمة واحدة ، كنا في الجنة ، علينا أن ننمي الخبرات الروحية ، كنباتات في ملء نضجها زرعناها نحن بأنفسنا ، أو زرعها فينا خالق جميع الأشياء لنمتع ونعيش سعداء ( صفحة 31 : الفقرات 182 ، 183 ) .

والجدير  بالذكر أن الكتاب قد صدرت له ترجمة عربية عن منشورات النور ببيروت ، وقام بالترجمة كل من مكاريوس جبور وناتشا يازجي .

بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1-السنكسار القبطي تحت يوم 21 هاتور .
2-القمص أثناسيوس فهمي جورج :- سية غريغوريوس العجائبي ، موقع الأنبا تكلا هيمانوت .

3-يوسابيوس القيصري :- تاريخ الكنيسة ، ترجمة القمص مرقص داود  ، صفحتي 321 ، 322 .
4-هيرونيموس  :- مشاهير الرجال ، نقله إلي العربية وقدم له وعلق عليه ووضع فهرسه الأب جوزيف كميل جبارة ، دار المشرق ، بيروت  ، صفحة 65.

5-جوهانس كواستن :- علم الابائيات "باترولوجي " الأدب المسيحي بعد ق . إيرينيوس حتى مجمع نيقية ، ترجمة د .جرجس يوسف ، تقديم أنبا مقار ، المجلد الثاني ، سلسلة دراسات عن آباء الكنيسة في العصور الأولى ، مركز باناريون للتراث الآبائي ، الطبعة الاولى  ، يناير 2017 ، الصفحات من 133 – 138 .

6-أسد رستم :-    آباء الكنيسة ، القرون الثلاثة الأولى ، منشورات النور ، 1983 ،  الصفحات من 135 – 156 .
7- غريغوريوس العجائبي :- خطاب إلي المعلم أوريجينوس ، ترجمة مكاريوس جبور وناتشا يازجي ، منشورات النور ، 2000 ، سلسلة آباء الكنيسة ، رقم 10 .