تاريخ كنيستي (143)
القمص انجيلوس جرجس شنودة
حين نقرأ ما كُتب عن الآباء القديسون ندرك لماذا هؤلاء صاروا في ملئ القداسة، ندرك أن هذا لأن إيمانهم كان قوياً ولا يلين، ولم يفرطوا في الإيمان الذي تسلموه، وقد أثمر هذا الإيمان الذي لم يتلوث بالهرطقات حياة مقدسة. ولأن كانت لهم علاقة حقيقية بالمسيح الحقيقي وليس المسيح المشوه بالهرطقات، كانت لهم عيون مفتوحة على ما هو غير مرئي كما حدث مع أنبا دانيال حين ذهب مع الآباء في أحد الأعياد ليأخذ البركة كما هو معتاد في تلك الأيام أن يجتمع مع البابا رؤساء الآباء وقمامصة البراري.
وحين ذهب إلى الكاتدرائية بالإسكندرية وجد على باب الكاتدرائية رجل فقير يستعطي، وكان ينام في فناء الكاتدرائية بلا مأوي ولا سرير ولا غطاء. وحين دخل أنبا دانيال وتقابل مع البابا طلب منه أن يستدعي هذا الفقير مرقس الذي على باب الكاتدرائية.
فاستدعى البابا الخادم وطلب منه أن يحضر مرقس الفقير، وحين دخل قال له أنبا دانيال: "احكي يا مرقس قصتك للبابا". فرد مرقس: "أي قصة؟ أنا مجرد رجل فقير أعيش على عطايا الناس". فقام أنبا دانيال ووضع يده على كتفه وقال: "يا حبيب المسيح أنا هنا اليوم لأجلك رب المجد جاء لي وهو الذي طلب هذا". فتعجب البابا ووقف وذهب إلى مرقس وقال له: "الرب بنفسه! من أنت؟ وما هي قصتك؟ أرجوك أخبرني".
فبكى مرقس وقال: "طالما هذه إرادة الرب سأحكي. أنا كنت رجل فاسد السيرة، وكان لي أموال كثيرة، ولكنني في يوم ضقت بحالي وخطاياي وقررت التوبة، ولكن حياتي وصداقاتي تربطني بالخطايا فقررت أبيع كل شيء واذهب إلى البرية أعيش هناك وأتوب. ولكنني قلت لن يقبلونني فبعت كل شيء وجئت هناك على باب الكنيسة استعطي وأقسم ما يعطى لي مع الفقراء وفي الليل ادخل الكنيسة أصلي طول الليل ثم أحضر القداس كل يوم وظللت هكذا ثماني سنوات".
وبكى وجثى على ركبتيه أمام البابا وقال: "أرجوك يا أبي لا تخبر أحد بما قلته"، فرفعه أنبا دانيال وقال له: "لا تخف يا حبيب المسيح الرب أرسلني إليك لأنه سيرسل ملائكة وقديسين يحملوا روحك إليه غداً. وأرسلني كي أكفنك وأصلي عليك مع قداسة البابا. ويقول لك كفى تعب وغربة ستذهب إلى أحضانه".
ولم يتكلم مرقس، بل خرج في صمت وذهب إلى مكانه خارج الكنيسة على الباب وجلس حتى غابت الشمس. وفي الليل دخل إلى الكنيسة كعادته وصلى طول الليل وتناول في القداس ثم خرج إلى باب الكنيسة كعادته ووضع رأسه على الباب وبكى وكانت أخر دمعة يذرفها هذا التائب وخرجت روحه.
وكان أنبا دانيال مع البابا فوقف وقال له: "اذهب إلى حبيب المسيح مرقس لقد أخذت الملائكة روحه". وبالفعل خرجا إليه فوجدوه قد تنيح. وأرسل أنبا دانيال إلى الآباء الذين حضروا من كل براري مصر وقال لهم: "يا آباء البراري البسوا ملابس قداس العيد البيضاء وتعالوا إلى الكنيسة لنزف أحد قديسين الكنيسة التائب مرقس".
وفي الساعة السادسة من النهار تجمع كل الآباء وعلى رأسهم البابا والأنبا دانيال قمص الأسقيط وزفوا هذا القديس التائب من الكنيسة المجاهدة إلى الكنيسة المنتصرة. ومجد الجميع رب المجد الذي عيناه تجولان الأرض تفتش عن هؤلاء الصارخين إليه، التائبين، والذين يترجون رحمته. وبينما العالم لا يراهم ولا يهتم بهم ينحني هو ويحتضن هذه النفس ويرسل له من يكرمه، وأما هو فينتظره ليضع له الإكليل ويحتضنه بعد أن يترك أرض الشقاء والتعب.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين