هاني لبيب
بحكم الاهتمام، أتابع جيدًا المقالات التي تُكتب عن الأزمة الأخيرة، التي تفاقمت ضمن سياق الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى منذ 7 أكتوبر 2023 وإلى الآن. ويمكن حصر تلك الكتابات وتصنيفها تحت ثلاثة اتجاهات رئيسية. أولها الكتابات التحليلية، التي ترى المشهد بدقة بكافة تفاصيله واشتباكاته وتاريخه، وثانيها الكتابات المنحازة، التي اختزلت القضية الفلسطينية في غزة وحركة حماس، وثالثها الكتابات التي اعتمدت على عنعنات السوشيال ميديا، دون تدقيق المعلومات أو حتى التوقف أمامها لبيان الحقيقة.
وسوف أتناول بالتحليل الاتجاهات الثلاثة على عكس ما بدأت.. فالكتابات التي استقت معلوماتها من السوشيال ميديا في الاتجاه الثالث وقعت في خطأ التأثر ببعض الأفكار الموجهة على غرار انتصار حماس، ونجاحها في الوصول إلى الهدنة وصفقة تبادل الأسرى، وفشل إسرائيل الذريع في تصفية قيادات حركة حماس. وهو حق يُراد به باطل.. فبغض النظر عن رفضنا التام إنسانيًّا لكل ما يحدث للشعب الفلسطينى، فلن يجعلنا ما سبق ننساق لتلك الأفكار.
النتيجة الواضحة أمام الجميع هو تدمير أجزاء ضخمة من أحياء قطاع غزة ومنازله، وتدمير البنية التحتية من مدارس ومستشفيات ومحطات مياه وغيرها، فضلًا عن تهجير الآلاف وقتل آلاف المواطنين الفلسطينيين، ومشاهد الأطفال لن تنساها الذاكرة الإنسانية. والقاعدة الأساسية «فى الحرب الجميع يخسر.. المنتصر قبل المهزوم» لأنه في كل الأحوال لا يمكن تعويض الخسائر الإنسانية والمادية والاقتصادية.
كما أن الوصول إلى الهدنة يعود إلى الجهود المصرية القطرية بدعم الولايات المتحدة الأمريكية. والطبيعى أنه لو كانت حماس لديها القدرة على ذلك لما كانت تنظر لتلك الجهود.
أما الاتجاه الثانى، الذي يمثل الكتابات المنحازة، التي اختزلت مجمل القضية الفلسطينية في غزة وحركة حماس، فهى كتابات الأزمة. أزمة بقايا بعض الانحيازات الأيديولوجية واتجاهات تيارات الإسلام السياسى، التي اعتبرت أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» هي السبيل الوحيد لحل الأزمة الفلسطينية وتجاهل مَن هم خارج غزة، ومَن لا ينتمون لهم. والغريب في الأمر أنهم لا يعترفون سوى بحركتهم، ويتجاهلون وجود غيرهم، وهو ما أدى إلى تديين القضية الفلسطينية بشكل أضرها أكثر مما نفعها لأنه حاصرها وحصرها في مربع الطائفية البغيض.
وهو ما تجلى مثلما كتبت قبل ذلك في توجههم نحو الترويج لقضية القدس باعتبارها قضية إسلامية.. في إهمال متعمد للمقدسات المسيحية هناك. وكان الأفضل هو الترويج لقضية القدس باعتبارها قضية وطنية إنسانية ذات مقدسات مسيحية وإسلامية لأتباع الأديان على مستوى العالم.. بعيدًا عن الشعارات الجوفاء، التي تغازل غوغائية الشارع وفوضويته وعشوائيته، على غرار: تحرير بيت المقدس، وعلى القدس رايحين بالملايين، واأقصاه.
أما الاتجاه الأول، الذي يتمثل في الكتابات التحليلية، التي ترى المشهد بدقة بكافة تفاصيله واشتباكاته وتاريخه. وهى كتابات عميقة معتبرة.. تستند إلى دقة المعلومات والأحداث التاريخية التي يتجاهلها الكثيرون. وربما من أهم ملامحها إدراكها تراجع توازنات القوة بين القرار الفلسطينى والقرار الإسرائيلى في المفاوضات بسبب انقسام القرار الفلسطينى، وعدم وجود مساندة جماعية مؤثرة من الدول العربية أو من كيان الجامعة العربية، التي تحتاج إلى إعادة نظر في دورها وسياساتها، التي تخضع لتأثير رأس المال الممول للأنشطة والمؤتمرات واللقاءات والمهرجانات والمرتبات والمكافآت.
بالإضافة إلى وجود العديد من الأطراف الخارجية المؤثرة البعيدة عن دول الجوار، كما يتميز هذا الاتجاه بقدرته على بيان دور الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية المتحالفة مع إسرائيل على خلفية ما تؤمن به المسيحية الصهيونية. وبالعودة إلى الدور المبكر لبريطانيا في هذا الصراع.. اتساقًا مع عقيدة شعب الله المختار وأرض الموعد. ولذا يرى الاتجاه الأول جيدًا أهمية توحيد القرار الفلسطينى، وأهمية مرجعية المفاوضات، ومعاهدة كامب ديفيد أساسًا للحوار.
نقطة ومن أول السطر..
دون افتراض حسن الظن، فإن هناك تضليلًا موجهًا لرسم ملامح مغايرة للصراع الفلسطينى الإسرائيلى. وهو تضليل يصب في صالح رصيد تيارات الإسلام السياسى، التي سرقت في غفلة من الزمن واحدة من أهم القضايا الوطنية والإنسانية في العالم. ستظل القضية الفلسطينية شاهدة على عصر.. تم فيه انتهاك الإنسانية بشهادة العالم.
نقلا عن المصرى اليوم