د. أمير فهمى زخارى المنيا
الآية:
"كَمَا يُحَرِّكُ النَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ،" (تث 32: 11).

الحكاية:
زوجان النسر يبنى العش من اغصان خشنة قوية ولكن وقبل ان توضع الانثى بيضها فيه، يبدأ الزوجان بنتف انعم الريشات والزغب من جسديهما وتغطية العش بالكامل بها كي يكون العش ناعما دافئا للصغار عندما يفقس البيض.

بعد الفقس يحمي الأبوان صغارهما من المطر او الشمس بجسديهما وجناحيهما وطبعا لا يتوقفان عن جلب الطعام للصغار حتى يكبروا.
عندما يكتمل نمو ريش وذيل الصغار يقرر الاهل ان الوقت قد حان!

فيجلس النسر الاب على حافة العش ويبدأ بهز العش بجناحيه هزا متواصلا حتى يتخلص من كل الريش والزغب الذي غطيا به العش لتظل فقط تلك الاغصان الخشنة القوية … طبعا يتململ الصغار في مكانهم غير المريح هذا …

الام من ناحيتها تذهب لتصطاد شيئا ولكنها في هذه المرة لا تأتي بالأكل الى العش كما كانت تفعل دائما بل تجلس على مرأى من الصغار ولمسافة لا تقل عن الخمسة أمتار وتبدأ بالأكل لوحدها وببطيء شديد مثيرة بذلك شهية الصغار الجائعة! وهنا يبدا الصغار بأولى محاولاتهم في الخروج من العش ومحاولة الطيران …

غير ان العش عالي جدا فيهوى الصغير وهو الذي لا يعرف الطيران بعد في الهاوية السحيقة، وهنا يأتي دور الاب الذي يسارع الى التقاط الصغير وإجلاسه على ظهره والتحليق به الى الاعلى ووضعه من جديد في العش الخشن غير المريح للصغير الجائع، فيكرر الصغير المحاولة ويكرر النسر الاب انقاذه، وهكذا يتعلم صغار النسور الطيران! …

عندما يتعلم الصغار الطيران تبدأ مرحلة تعليم الصيد.

التفسير:
يحرك النسر عشه ثم يبسط جناحيه ويرف على جناحيه لكي يلزم صغاره على الاستعداد لترك العش والتمرن على الطيران.
هكذا حرك الله كل ما هو حول شعبه بالضربات العشرة لكي يحركهم للرحيل من أرض مصر، والطيران في البرية لكي يدخلوا إلى أرض الموعد أو بالأحرى لكي يحملهم إليه. إذ يقول: "وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ" (خر 19: 4).
محبة النسور لصغارها ليس أن تحميها فحسب، بل أن تعلم صغارها وتدربهم على الطيران، فهي ليست محبة خاملة قاتلة لهم، لكنها محبة عاملة تسند الصغار وتهبهم إمكانيات جديدة.

هكذا يحرك الله حياتنا لكي تنطلق في برية هذا العالم وسط الآلام كمن يطير إلى حضن الله، ونجد لنا فيه استقرارًا وراحة.
إنه لا يحركنا نحو الحياة المترفة المدللة، لكن لكي يحمينا ويحوط حولنا وفي نفس الوقت نطير كما إلى السماء غير مبالين بضيقات العالم وتجاربه.
والى اللقاء في مقاله آخرى من " آية وحكاية وتفسير" ... تحياتى.
د. أمير فهمى زخارى المنيا