ياسر أيوب
بعيدًا عن حياته السياسية والدبلوماسية المعقدة والحروب التي أشعلها والنيران التي أطفأها.. يبقى هنرى كيسنجر أكثر سياسى في التاريخ عشقًا لكرة القدم واستخدامًا لها في معظم اجتماعاته وملفاته ومفاوضاته وحتى مؤامراته..
ومثلما شهدت كرة القدم إحدى أكبر هزائم كيسنجر حين أكد للنيويورك تايمز في 2009 أنه سيفوز بتنظيم مونديال 2022، لكن فازت به قطر، رغم أن كيسنجر هو الذي أدار الملف الأمريكى مستخدمًا خبراته وعلاقاته.. فإن كرة القدم أيضًا شهدت أحد أكبر انتصاراته حين قرر أن يعلم الأمريكيين حب كرة القدم، وأن تعترف بها الولايات المتحدة.. فقد وُلد كيسنجر وعاش سنوات طفولته في مدينة فيرت بإقليم بافاريا في ألمانيا. وكتب مقالًا في النيوزويك في 2006 حكى فيه كيف تعلم كرة القدم وأحبها وكان حارسًا للمرمى، حتى انكسر ذراعه، فتحول بعدها ليلعب مهاجمًا.
وفجأة تم منعه من اللعب ومن الفرجة أيضًا باعتباره من اليهود الذين لم يسمح لهم النظام النازى باللعب مع باقى الألمان.. لكنه كان يتسلل للفرجة على نادى فيرت، رغم مخاطر ذلك، وظل منتميًا إلى هذا النادى حتى وفاته، وعلق على ذلك ساخرًا من نفسه وارتباطه بنادٍ مغمور ليست له بطولات وانتصارات قائلًا إنه إدمان كرة القدم، الذي لا يُشفى منه أحد مهما حاول.. وهاجر كيسنجر مع أسرته في 1938 إلى الولايات المتحدة هربًا من الحكم النازى.. وفشل في التأقلم مع ألعاب الأمريكيين، ولم تقنعه كرة القدم الأمريكية أو البيسبول بالتخلى عن عشق كرة القدم.. وبدلًا من أن يعلمه الأمريكيون ألعابهم، قرر أن يعلمهم كرة القدم.. وكان أحد مؤسسى الدورى الكروى الأمريكى، وهو الذي حرص على التعاقد مع نجوم الكرة الكبار ليلعبوا في الولايات المتحدة، ولم يفشل إلا مع مارادونا.
وهو الذي اكتشف زيادة عدد الروس في كوبا، واقتحم مكتب مدير موظفى البيت الأبيض ليخبرهم بأن الكوبيين لا يلعبون كرة القدم، وهذه الملاعب الكروية تخص الجنود والضباط الروس.. ولم يختلف علنًا مع الزعيم السوفيتى بريجنيف إلا حين قال بريجنيف إن جارينشيا أفضل من بيليه.. وهو الذي قاد الجهود الأمريكية لاستضافة نهائيات مونديال 1994 وترويج كرة القدم في المجتمع الأمريكى.
وكان عشقه لكرة القدم هو دافعه لأن يضيفها كأداة دبلوماسية غير الذي تعلمه في هارفارد، حيث نال الماجستير والدكتوراة في العلاقات الدولية، واستعان بها كثيرًا في عمله سواء مستشارًا للأمن القومى أو وزيرًا للخارجية الأمريكية.. كان هذا العشق أيضًا هو دافعه لأن يحرص على حضور كل نهائيات المونديال منذ 1970.. ومن عباراته الشهيرة أن كرة القدم هي خليط غريب وساحر من الفرح والأسى والبهجة والتوتر.
نقلا عن المصري اليوم