سمير مرقص
(1) «كاريزما الخير العام»
تتسم شخصية الأنبا موسى، أسقف الشباب بالكنيسة القبطية منذ العام 1980، بـ«الكاريزما» لا شك.. لكنها «كاريزما» لا تلغى الآخرين أو تؤثر عليهم، فتسلبهم الإرادة، أو تطغى برؤيتها على الرؤى المخالفة.. فمنذ أدرك الأنبا موسى أن الله قد منحه مزيّة الحضور اللافت والمؤثر والفاعل، حصّنها ـ ولا أبالغ إن قلت لجّمها ـ بالتواضع والمحبة والشركة؛ فلقد استثمرها باعتبارها موهبة قسم بها الله له، ومن ثم عليه أن يعيد توظيفها من أجل: الخير العام؛ بمستوياته المتعددة ودوائره المختلفة؛ وهو ما تجسد عمليًّا من خلال توليه مسؤولية رعاية وخدمة الشباب.. وذلك بتشجيع الشباب على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية والطبقية وتوجهاتهم الفكرية كى يعبروا عن أفكارهم وآرائهم ومواهبهم بكل حرية. ولم يتوقف تشجيعه على حضورهم الكنسى الفاعل فقط، وإنما على ضرورة أن يمتد حضورهم الفاعل إلى المجتمع والوطن.. أخذًا فى الاعتبار السياق التاريخى الذى تأسست فيه الأسقفية ـ عقد الثمانينيات وما بعده ـ والذى كان يتسم بالتوتر الدينى.. كذلك الديناميكية السياسية والاجتماعية التى شهدتها مصر مع منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إضافة إلى التحولات الجذرية التى لحقت بأجيال الشباب المتعاقبة فيما عرف بجيل الألفية وما بعدها.
(2) «كيف نخدم الشباب؟.. مانيفستو متجدد»
تعكس الطبعات المتتالية من كتاب: «كيف نخدم الشباب؟» للأنبا موسى أمرين، هما: أولًا: كيف انطلق الرجل فى ممارسة مسؤوليته الرسمية عن الشباب فى ضوء رؤية حاكمة لهذه المهمة، تكوّنت من حصيلة خدمته الميدانية الحرة، بلورها فى الطبعة الأولى من الكتاب الصادرة فى عام 1980. وثانيا: حرصه ودأبه على تطوير هذه الرؤية وفق ما يستجد فى الواقع من تغيرات وتحولات، وهو ما تجلى فى الإضافات التى حرص على أن يضمّنها كتابه فى الطبعات التالية المتعاقبة.. ومن ثم بات الكتاب أقرب إلى «المانيفستو» المتجدد للكيفية التى يجب أن تكون عليها خدمة الشباب فى واقع متغير. فلو عدنا إلى مقدمة الطبعة الأولى من «المانيفستو»، نجد الأنبا موسى يقول: «هذا الكتاب الصغير هو محاولة متواضعة نحو دراسة كيف نخدم الشباب، ولا شك أننا نحتاج إلى المزيد من هذه الدراسات، فالشباب هم كنيسة الغد».
وفى مقدمة طبعة 2005، كتب الأنبا موسى: «لابد لخادم الشباب (الشاب) من أن (يعرف زمانه)، بحسب تعبير القديس أنطونيوس. نحن فى عصر العلم، والاتصال، والتداخل، والمادية، وانحلال القيم، والضغوط، والحرية، ولابد أن نخدم شبابنا بطريقة تجعلهم متأصلين فى المسيح والأرثوذكسية، يشعرون بانتمائهم لمصر، ويعيشون عصرهم دون التخلى عن تراثهم، ويتفاعلون مع مجتمعهم..».
والقارئ لمضمون «المانيفستو» فى طبعاته المتتالية سوف يلحظ ما يلى: أولا: كيف أن النص ليس نصا نظريا محضا، وإنما هو نص يجمع بين كل من المبادئ والأفكار والتوجهات العملية والخبرة الميدانية. ثانيًا: الحرص على التضفير بين المبادئ الروحية واللاهوتية وبين جديد الأفكار فى الحقول المعرفية المختلفة. ثالثًا: الحرص على المراجعة الدائمة لخدمة الشباب.. وعن ذلك يقول الأنبا موسى فى إحدى الطبعات المتأخرة ما نصه: «ينبغى أن نراجع ـ من آن لآخر ـ هدفنا... فبينما أحداث الحياة تتوالى، والسنوات تمر، والعصور تختلف بسرعة، يمكن أن تتوه منا معالم الطريق، أو يقل وضوح الأهداف، وإذا حدث ذلك ـ لا قدر الله ـ فمعناه أننا نضارب الهواء، ونتخبط فى مسالك وعرة، ونحفر آبارًا لا تضبط ماءً».
ولابد من الإشارة هنا إلى حرص الأنبا موسى على أن يرافقه فريق متنوع الاتجاهات والاهتمامات والمواهب والإبداعات فى عديد من المجالات ـ أى ليس متطابقا ـ لكى يوفر مادة مرجعية لكثير من الأبعاد التى تشكل تكوين الشباب.
(3) «فضيلة المراجعة الدائمة»
لم تكن المراجعة كلاما يقال أو نصا يُكتب، بل كانت فعلا دائم الممارسة ـ بل أكاد أقول هاجسا ـ تشهد عليه لقاءات التقييم الدورية، كذلك لقاءات التحضير للرسائل الروحية والفكرية التى يجب أن تتضمنها المؤتمرات والنشاطات الميدانية وكورسات مركز التدريب ووسائل الإعلام المختلفة. لم تكن الاستمرارية يسيرة ما لم تكن الرؤية واضحة ومتجددة، وذلك فى ضوء الفكرة الأساسية التى تقوم على التنشئة مركبة العلاقة/ ثنائية البعد: مسيحى ـ مصرى.. وقد ضمن هذا الحرص الاستجابة المبدعة إلى احتياجات وتطلعات التيار الرئيسى main stream للشباب، بما يضم من تنويعات خلال فترة ممتدة من الزمن، كذلك إدراكه المبكر لـ«غضب الشباب النبيل»- حسب وصفه لشباب يناير.. نواصل..
(النص مقتطف من فصل بعنوان: مسار الكنيسة فى الدولة الحديثة، من كتابنا: الأقباط والمسلمون من سلطة الغلبة إلى دولة المواطنة- قيد النشر).
نقلا عن المصرى اليوم