أيمن زكى
فى مثل هذا اليوم تحتفل الكنيسه بتذكار تكريس كنيسه الامير ماربقطر ابن رومانيوس (تاج الشهداء) و قد وُلد ماربقطر في مدينة إنطاكية من أسرة مسيحية نبيلة، والده الأمير رومانيوس من كبار وزراء الدولة الرومانية الذي أنكر الإيمان في أيام دقلديانوس، ووالدته مرثا إنسانة تقية طلبت من الله أن يهبها نسلًا مباركًا فوهبها هذا الطوباوي بقطر.
وعاش بقطر تحت رعاية أمه التقية، بينما كان والده سطحيًا في إيمانه وعبادته. ارتبط بقطر بصداقة قوية مع الأمير أقلاديوس ابن خالته، فكانا يشتركان في الهدف والعبادة.
ترقى الأمير بقطر في المناصب حتى أصبح الثالث في مرتبتها. وكان له وقتئذ عشرون سنة وكان كثير الصوم والصلاة وافتقاد المحبوسين وإعانة الضعفاء والمساكين. ولما قطعوا رأس القديسة ثاؤذورا أم القديسين قزمان ودميان لم يجسر أحد أن يدفنها خوفا من الملك. فتقدم هذا القديس وأخذ الجسد وكفنه ثم دفنها غير مبال بأمر الملك إذ كان شابًا تقيًا، جادًا في حياته، زاهدًا في أباطيل العالم وملذاته، رحومًا ولطيفًا للغاية.
وإذ جحد دقلديانوس الإيمان رفض الأميران بقطر وأقلاديوس السجود للأوثان، وقد أخفي رجال البلاط الخبر عن الملك لحبهم لهذين الأميرين، فكان الأميران يفتقدان المسجونين ويهتمان باحتياجات المعوزين ويدفنا أجساد الشهداء القديسين. سمع الملك فاستدعى أقلاديوس الذي أعلن إيمانه بمسيحه، فأمر الملك بإرساله إلى صعيد مصر ليُقتل هناك بعيدًا عن إنطاكية حتى لا يثور الشعب.
واستدعى الملك دقلديانوس وزيره رومانيوس وقال له بأنه قد بلغه أن ابنه بقطر يقوم بدفن أجساد المسيحيين الذين تقتلهم الدولة، وبافتقاد المسجونين، ثم صار يهدده بقتل ابنه إن لم يجحد مسيحه. أرسل رومانيوس إلى ابنه أصدقائه لعلهم يستطيعون إقناعه بالعدول عن إيمانه فرفض بإصرار.
استدعاه الملك وصار يلاطفه، فكان بقطر في محبة حازمة يوبخ الملك على جحده الإيمان، طالبًا منه أن يرجع إلى مخلصه ويكف عن عنفه ومقاومته للإيمان. فاستشاط غضب رومانيوس وصار يضرب ابنه ويسبّه ويهدده بل وفقد وعيه وأراد قتله.
وبأمر رومانيوس أُلقى بقطر في سرداب مظلم ليتحول السرداب إلى سماء منيرة وشركة مع السمائيين، بينما كانت أمه مرثا قد كرّست كل طاقاتها للصوم والصلاة من أجل إيمان ابنها، بل ذهبت إليه وتحدثت معه وهي في الخارج لتسنده حتى يستحق شرف الاستشهاد.
ولما أُخرج بقطر من السرداب، وحاول رومانيوس إغراءه، وإذ فشل أمر عبيده أن يضربوه بالرماح حتى الموت، لكن دقلديانوس استدعاه وصار يلاطفه ويهدده، وأخيرًا أرسله إلى الإسكندرية لتعذيبه وقتله بعيدًا عن إنطاكية.
وأصرت الأم أن ترى ابنها وتودعه قبيل سفره خارج المدينة. وبالفعل رأته فسقطت مغشيًا عليها، أما هو ففي بشاشة قال لها: "لا تبكى يا أمي على ابنك، فأنا مع يسوع في طريق النعمة، ولكن ابكِ على رومانيوس زوجك. إنه لم يعد أبي يوم أنكر الإيمان واتبع طريق الشيطان، اليوم أنهي بنوّتي له. ابكِ عليه يا أماه لعل الرب يهديه ويعيده إلى حظيرة الإيمان. أما أنا فلماذا تبكين عليّ؟ إنني في طريقي إلى السماء؟! لي اشتهاء أن أنطلق فإن هذا أفضل".فاستراح قلب مرثا لتعود فتعزى ابنها وتشجعه، ودخل الاثنان في حوار روحي لطيف أبكى كل السامعين، ثم ودعت ابنها ليبحر إلى الإسكندرية.
وفي الإسكندرية التقى القديس بقطر بالوالي أرمانيوس الذي لاطفه من أجل كرامته وكرامة عائلته، لكن إذ أصر بقطر على الشهادة للسيد المسيح قام الوالي بتعذيبه بوضعه على سرير من حديد وإيقاد نار تحته، لكن الرب خلصه ولم تمس النار شعرة واحدة منه. اغتاظ الوالي وألقاه في السجن. كانت ابنة أحد الأمراء تتطلع من قصرها الذي يطل على السجن لتنظر المسيحيين المسجونين بينما كان جماعة من السكارى يستهزئون بهم. سقطت الفتاة إلى أسفل جثة هامدة، فطلب الأمير بقطر أن يحضروا الجثمان ليصلي عليه ويقيم الفتاة ويسلمها لوالديها ففرحا جدًا وآمنا بالمسيح، تزوجت الفتاة وأنجبت طفلًا دعته "بقطر".
قام الوالي بعصر القديس بقطر، لكن الرب أرسل ملاكه ميخائيل يسند تقيّه بقطر. ألقاه الوالي في مستوقد فصار كالثلاثة فتية يسبح الله مخلصه، بينما حلّت النيران قيوده واللّجام الذي في فمه، الأمر الذي دفع كثير من الوثنيين المشاهدين له أن يعلنوا إيمانهم وينالوا إكليل الاستشهاد.
وعاد الوالي إلى بيته كئيبًا بسبب ما حدث، فكانت زوجته وهي مسيحية توبخه بعنف، فصار يهددها حاسبًا أن ما صار لبقطر إنما هو من قبيل السحر. أخيرًا إذ ضاق به الأمر قرر ترحيله إلى والي أنصنا ليقوم بتعذيبه وقتله، ولعلّه خشي أن يقتله فيندم رومانيوس على ما فعله بابنه وينتقم له من الوالي أرمانيوس. ويوجد حي في الإسكندرية لم يزل للان يعرف باسم البقطرية نسبة لهذا القديس حيث يظهر أنه كانت هناك كنيسة باسمه في هذا الحي.
ولما رست السفينة في مدينة طحا حيث التقىٍ بصديق له جندي يدعى بيفام، كان مسيحيًا مختفيًا فشجعه أن يعلن إيمانه بالسيد. انطلقت السفينة إلى أنصنا، وإذ دخل في حوارٍ مع الوالي أراد قتله، لكن مستشاريه طلبا منه أن يضعه في قصر مهجور في بطن الجبل ولا يقتله لئلا ينتقم منه والده رومانيوس.فأُلقي القديس في القصر المهجور الذي يدعي "البارقون" بلا طعام ولا شراب، حاسبين أن الشياطين تقتله، لكن ربنا يسوع أرسل له رجلًا مسيحيًا قدم له عِدة نجارة ليمارس بعض أعمال النجارة ويبيعها له.و مارس القديس حياته النسكية بفرح، وقد حاولت الشياطين مقاومته بكل وسيلة فكان يغلبها بقوة ربنا يسوع المسيح الذي ظهر له وطمأنه على إيمان والده وأعلن له عن انتقاله إلى كنيسة الأبكار.
والتقي به في القصر الجندي الأمين الذي جاء معه من إنطاكية، فقد أرسلته مرثا لتطمئن على ابنها، فبلغ إلى القصر، وقصّ عليه القديس كل ما دار في حياته ليسند أمه.
إذ جاء إلى أنصنا والٍ جديد استدعاه من القصر، وصار يعذبه، تارة بالنار وأخرى بتقديم سُمّ له وثالثة بوضعه في زيت مغلي وكان الرب يعمل فيه بقوة. وُجه لبقطر اتهام هو "استخدام السحر"، أما هو فأعلن انه إنسان بسيط يحمل قوة الإيمان التي أطفأت اللَّهب وليس السحر.استدعى الوالي أحد كبار السحرة ليعد سمًا قاتلًا في طعام يأكله القديس، وإذ لم يُصب بضررٍ أعد نوعًا أخطر وبكميةٍ أكبر فلم يتأثر، عندئذ أحرق الساحر كتبه، وجاء إلى القديس يعلن إيمانه بهذا الإله القوي، وقبل الاستشهاد بفرح، كما آمن كثيرون أثناء عذابات القديس بقطر، منهم بعض الجند، وتمتعوا بإكليل الشهادة.فأمر الوالي بقطع رأس القديس ماربقطر و نال اكليل الشهادة
قيل أن والدته جاءت بعد ذلك وبنت كنيسة بمنطقة أنصنا التي عاش فيها ابنها قبل استشهاده، وأنه ظهر لها في الكنيسة وأنبأها ببعض أمور مقبلة خاصة بكنيسة مصر.
و قد حملت مرثا رُفات ابنها القديس بقطر إلى إنطاكية بعد أن ودعه أهل الصعيد في مهابة وتكريم، وكان الكل يتباركون منه.
بركه صلاته تكون معنا كلنا امين...
و لالهنا المجد دائما ابديا امين...