القمص يوحنا نصيف
عندما يأتي شهر كيهك كلّ عام، ونبدأ في الانشغال بتسابيحه الجميلة، يطفو على السّطح هذا السؤال: مَن هو "صوفونيوس" المذكور في بعض المدائح العربيّة التي نشدو بها في تسابيح كيهك؟ هل هو صَفَنيا النبي أم شخصٍ آخَر؟!
سنحاول بنعمة المسيح في هذا المقال اكتشاف مَن هو صوفونيوس؟!
في البداية مِنَ المهمّ أن نعرف أنّ المدائح العربيّة لشهر كيهك كلّها كُتِبَت حديثًا في القرن السابع عشر والثامن عشر بواسطة مجموعة من المرتّلين وبعض الآباء الكهنة وأحد البطاركة (البابا مرقس الثامن).
يجيء ذِكر صوفونيوس في المدائح مصحوبًا بنبوءةٍ ملخّصها أنّ تجسُّد السيّد المسيح سيكون مثل نزول قطرات مياه من السماء على الأرض بدون وجود سحاب، إشارة إلى ولادة السيّد المسيح بدون زرع بشر.. ولنأخُذ بعض أمثلة من هذه المدائح:
"صفونيوس قال قولاً موصوف، عن حَبَلِك بالملك القدوس، مثل مطر ينزل على الصوف، السلام لكِ يا أم بخريستوس" (مديح التوزيع الكيهكي للقمّص متّاؤس البهجوري).
"صوفونيوس خَبّر، عن ميلاد بِخريستوس، أنّه ينزل كندى ومطر، ماريا تي بارثينوس" (مديح على ثيؤطوكيّة الإثنين للمعلّم غبريال).
"صوفونيوس شرح بكلام، عن تدبير اللاهوتيّة، ينزل كالقَطْر بغير غمام، طوباكِ يا زين البشريّة" (مديح العُلَّيقة على ثيؤطوكيّة الخميس للمعلّم غبريال).
فكرة نزول الندى على الأرض بدون وجود سحاب جاءت في حياة جدعون، كعلامة طلبها من الله فأعطاها له، عندما وضّع جزّة صوف في البيدر فنزل طَلٌّ على الجُزّة وحدها، بينما كان جفافٌ على الأرض كلّها.. (قضاة6: 36-40).. وكان هذا إشارة أنّ الله سيأتي ويحلّ بقوّته المعجزيّة ويرافق جدعون في الحرب، ويخلِّص شعب إسرائيل على يده..
عندما نبحث عن هذا المعنى في سِفر صَفَنيا الذي هو أحد الأنبياء الصغار، فسوف لا نجده نهائيًّا من قريب أو بعيد.. ولكنّنا سنجد المعنى في موضع آخَر في سِفر المزامير، فقد جاء ما يلي في المزمور 72 الذي يتكلّم عن المسيح الملك الآتي لكي يخلّص البائسين ويقضي لمساكين الشعب ويسحق الظالم: "ينزل مثل المطر على الجُزاز، ومِثل الغيوث الذارفة على الأرض.." (مز72: 6).. والعجيب أنّ هذا المزمور كتبه سليمان الحكيم، وليس داود أو أحد المرنمين الآخَرين.. فإذا كان معنى كلمة "الحكمة" باللغتين اليونانية والقبطيّة هو: "صوفيا Sofia" فليس ببعيد أن يكون "صوفونيوس" المقصود هو "سليمان صاحب الحكمة" الذي تنبّأ عن مجيء المسيح متجسِّدًا بدون زرع بشر لكي يخلّص شعبه، وأَدْرَجَ هذا المعنى مع مجموعة أخرى من النبوءات الجميلة في مزموره البديع.
جدير بالذِّكر أن الكنيسة وضعت آية طويلة من هذا المزمور 72 قبل إنجيل باكر في قراءات عيد الميلاد المجيد.
من هنا يتّضح لنا بكلّ تأكيد أن "صوفونيوس" المذكور في مدائح شهر كيهك ليس هو صَفَنيا النبي، بل في الأغلب هو سليمان الحكيم (ذو الحكمة) وهو الذي قَصَدَتْهُ المدائح الكيهكيّة لتأكيد تحقيق نبوءته في المزمور 72 عن السيّدة العذراء التي حبلت بالسيّد المسيح المُخلِّص بدون زرع بشر، وقدّمته لنا محمولاً على ذراعيها.
لقد أتى السيّد المسيح إلينا متجسِّدًا كقطرات الندى، لكي يروي أرضنا القفرة بندى نعمته.. كلّ كيهك وحضراتكم بخير.