( بقلم / أشرف ونيس)
كلمتان فيهما من التماثل اكثر مما فيهما من التباين ، يمثلان عملة ذات قيمة نادرة تحمل وجهين هما ذات الكلمتين ، أحدهما سبب و الأخرى نتيجة لذلك السبب ، واحدة بذار و جذور و ساق و الأخرى زهور و أغصان و ثمار ، واحدة شمس و توهج و نار و الأخرى نور و إشراق و ضياء ، هما صفتان أو قل فضيلتان بل كنزان ما أن يتواجدا فى قلب أحدهما حتى يتربع ذلك القلب فى قلوب الكثيرين بل يتوَّج ملكا فى أنفس محبيه .... !!!!
التواضع و الوداعة ؛ فضيلتان قلما وجد من تبين له أوجه الاختلاف بينهما ، اعتبرها البعض إنهما كلمتان ذات أصل و معنى واحد ، فلا فرق يظهر للبعض سوى اختلاف حروفهما و عدد النقاط التى تقل فى احداهما عن الاخرى ... !!!!
لكن التمعن و التفحص فى جوهر كلتيهما يكشف لمن ينبش عن كنوز الحكمة مزيداً من اللٱلئ و فيضا من الجواهر ، فيهما اختلاف متماثل أو قل تماثل متخالف ، فيهما تنافر متطابق أو قل تطابق متنوع ، بهما تباين هو أنوار ذات ألوان مختلفة كلٍ عن الآخر لكنهما صادران من نفس المصدر و ذات النبع ... !!!!
فالتواضع أصله فى القلب و الوداعة هى مظهر لما فى ذلك القلب .... ، التواضع هو جسر يربط بيننا و بين أنفسنا أما الوداعة فهى جسر يصل بيننا و بين الأخرين ..... ، التواضع هو إحدى مكنونات الداخل الانسانى و الوداعة هى الظاهر لما يتحلى به هذا الداخل و ذلك الباطن .... ، التواضع غير مرئى و غير ظاهر تتحلى به النفس بين طياتها ليتمظهر للغير فى أجلى صورة له و هى الوداعة ..... ، التواضع هو ذلك النجم الساطع فى أفق و مرتفعات القيم أما الوداعة هى ذلك التوهج المشع من ذلك النجم الذى يملأ الدنيا سنا و بريقا و لمعانا ..... ، التواضع هو زهرة فى بستان مشاعرنا و إحساسنا و ما نضمره بين ثنيانا و خلف أضلع صدورنا بينما الوداعة هى رحيق تلك الزهرة الذى يعبق فيملأ الدنيا عبيرًا يستنشقه الغير فتتجلى أمامه الحياة بأجلى مظاهرها و أشكالها ..... .
هما جبلان بل جبال شامخة ، هما بحران بل بحار غائرة ، هما صحراء بل صحارى شاسعة ، هما سحابة بل سحب صافية ..... ، و عندما اجتمع الشموخ و العمق و الاتساع مع الصفاء كانوا هم التواضع الوديع بل الوداعة المتواضعة ، ليتسنى بذلك الحق المفعم بالخير الممتزجان بنقاوة الجمال فى تلك الفضيلتين العظيمتين ألا و هما التواضع و الوداعة ..... .
فما أحرانا و نفوسنا بالتحلى بهما ، و ما أحوجنا و أرواحنا بالتدثر بتلك الفضيلتين ، فهما تاجان و صولجانان يقودان الأنفس من رتبة الكائنات الحية الى رتبة الملوك المتوجة على عروش الإنسانية ، فيهما و بهما نؤسس لمملكة سماوية على أرضنا ، و نأخذ بيد أرضنا الى مملكة السماء ذاتها لتغدو بذلك السماء هى سماءا أرضية أو قل تصبح الأرض أرضًا سماوية ، فيها البشر طلقاء أحرار بانسانيتهم بينما يمسى الكبرياء أسيرا سجينا بوحشيته ..... .
لكن السباحة فى محيط كلتا الفضيلتين لهو أمر يحتاج صراعًا و كفاحا ، حربا و جهادا ؛ وقودهما هو رغبة قلبية و طاقة روحية تأخذ بيد تلك الرغبة لتصل بها إلى مرسى الأمن و الأمان ، إلى فنار التكامل و الاكتمال ؛ بعيدا عن خضم الأنا و ما يدور فى فلكها من ذاتية و فردية و انتقام إلى عطاء و تسامح و إيثار لنصل بذلك إلى زورق النجاة من إنهاك التوحش و محبة النفس إلى سكينة و راحة تلك الفضيلتين - التواضع و الوداعة !!!