الاب جون جبرائيل
كان أكثر المدافعين عن التفسير الرمزي للأساطير الدينية التقليدية رودولف بولتمان وهانز يوناس، اللذين تناولنا آراءهما بصورة موجزة في الفصل السابق. ومثلما أشرنا سابقًا، بينما يضيِّق الاثنان نطاق بحثهما حول تخصصيهما — المسيحية والغنوصية — فإنهما يطبقان عليهما نظرية عن الأسطورة ذاتها.
في مأخذها الحرفي، تتطابق الأسطورة في رأي بولتمان مع الأسطورة في رأي تايلور تطابقًا دقيقًا؛ إذ يعتقدانها تفسيرًا بدائيًّا للعالم، وتفسيرًا لا يتوافق مع التفسير العلمي؛ ومن ثم فهي تفسير لا يقبله الحداثيون، الذين يرجحون كفة العلم. وبتفسير الأسطورة تفسيرًا حرفيًّا، يرى بولتمان أنه لا بد من رفضها دون مناقشة مثلما يرفضها تايلور. لكن على عكس تايلور، يفسر بولتمان الأسطورة تفسيرًا رمزيًّا. وفي عبارته الشهيرة، وإن كانت محيرة إلى حد كبير، «يجرد» بولتمان الأسطورة «من العناصر الخرافية»، ولا يعني ذلك التخلص من الميثولوجيا، أو «خلع الثوب الخرافي عنها»، وإنما استخلاص المعنى الرمزي الحقيقي وراءها. والبحث عن قرينة في حادث الطوفان الذي غمر العالم أجمع — مع استبعاد الفكرة الإعجازية المتمثلة في اشتمال سفينة على جميع أنواع المخلوقات — يستدعي «خلع الثوب الخرافي» عن أسطورة نوح. في المقابل، يستدعي تفسير الطوفان كعبارة رمزية للإشارة إلى هشاشة الحياة الإنسانية «التجرد من العناصر الخرافية».
وبتجرد الأسطورة من العناصر الخرافية، تتوقف عن تعبيرها عن العالم، فتصير تعبر عن «خبرة» الإنسان بالعالم، وتتوقف أيضًا عن كونها تفسيرًا، فتصبح تعبيرًا عن «حال» من يعيشون في العالم، ولا يمكن الاستمرار في وسمها بأنها بدائية، بل تصبح شاملة، وفي النهاية لا يمكن أن تتصف بالزيف، بل تصير حقيقية؛ إذ تقدم وصفًا للحالة الإنسانية. ويعبر بولتمان عن ذلك بقوله:
إن الغرض الحقيقي من الأسطورة ليس تقديم صورة موضوعية عن العالم كما هو، بل التعبير عن فهم الإنسان لنفسه في العالم الذي يعيش فيه. ويجب ألا يتم تفسير الأسطورة من المنظور الكوني، بل من منظور أنثروبولوجي، أو وجودي، وهذا أفضل.
(بولتمان، «العهد الجديد والميثولوجيا»، ص١٠)
عن كتاب روبرت إيه سيجال "الأسطورة: مقدمة قصيرة جدًّا"
ترجمة محمد سعد طنطاوي مراجعة إيمان عبد الغني نجم، مؤسسه هنداوي.
الفصل الثالث
الأسطورة والدين