هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
يتسأءل عدد كثير من المواطنين عن عقوبات التعرض للغير والتحرش الجديدة وفقاً للقانون رقم 185 لسنة 2023 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، والذى وافق عليه مجلس النواب. وتم التصديق عليه من قبل رئيس الجمهورية ونشر في  الجريدة الرسمية  بالأمس وأصبح قانون واجب النفاذ. والذي يقرر تغليظ عقوبات التحرش والتعرض للغير.ويهدف القانون إلى تشديد العقوبات على بعض الصور المستحدثة من الجرائم التي ظهرت في الآونة الأخيرة، مثل جرائم التعرض للغير، والتحرش الجنسي، والتنمر، حال ارتكاب أي من هذه الجرائم في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل أو من شخصين فأكثر، وذلك نظراً لخطورة هذه الجرائم الشديدة على المجتمع وانعكاساتها النفسية فهي جناية وليست جنحة .

أن التحرش الجنسي جريمة خطيرة تهدد المجتمع وتتمثل في القيام بكل  قول أو فعل أو اشارة تتصف بمداول جنسي، ويُمارس هذا الفعل من شخص تجاه شخص آخر. ويمس جسده أو عرضه، أو يقوم هذا الفعل على خدش حيائه بأي وسيلة كانت، وتبدأ جريمة التحرش من الإيذاء النفسي للشخص الأخر عن طريق التحرش به لفظيًا أو تلميحات مبتذلة، ومن الممكن أن يصل للإيذاء الجسدي للشخص المتحرش به، وإن جريمة التحرش من الناحية القانونية تختلف باختلاف الواقعة .

تُعرَّف الجريمة على أنها أي شخص يرتكب فعلًا غير لائق أو موحيًا جنسيًا أو يدلي بتعليقات جنسية صريحة من أجل مضايقة أو إزعاج شخص آخر .
ويمكن أن يحدث التحرش الجنسي في مجموعة متنوعة من الأماكن ، من مكان العمل إلى المدرسة إلى الأماكن الخاصة.

جدير بالذكر أن التحرش الجنسي لا يجب أن يكون ذا طبيعة جنسية صريحة ؛ يمكن أن تستند أيضًا إلى الإيحاءات اللفظية.

إذ يجب أن تتوافر في الضحية المتضرر من التحرش إدلة إثبات بوقوع الضرر سواء شهود أو مكالمات هاتفية أو صور أو رسائل الكترونية.

كما يحظر القانون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لارتكاب التحرش الجنسي الإلكتروني وهو استخدام شبكة الإنترنت في التواصل مع الآخر بقصد إيذائه والإضرار به جنسيًا وابتزازه اجتماعيًا، ويُعد التحرش الإلكتروني إحدي أسرع الجرائم نمواً في العالم ، فهو جريمة خطيرة يمكن أن تدمر حياة الناس لاستهداف الضحية وتخويفها.

ومع التطور التكنولوجي تطورت أشكال التحرش لينتقل من المجتمع الواقعي إلى المجتمع الإلكتروني، وأصبحت وسائل التواصل الإلكترونية أرضًا خصبة لما يعرف بظاهرة التحرّش الإلكترونيّ،

وعلى ذلك يمكن التفرقة بين التحرش في المجتمع الواقعي والتحرش الإلكتروني، حيث إن الأول مادي، والثاني رمزي لا يحدث فيه انتهاك للجسد، بجانب تخفي فاعله وينبغي أن يكون هناك تدخل فعلي لمنع محاولات التحرش الإلكترونية، وأن يكون هذا التدخل على قدر الحدث حتى لا يتجرأ المتحرش على تكرار أفعاله.

حيث تشهد وسائل التواصل الاجتماعي وقائع تحرش عديدة، ويشعر المتحرش أن ارتكابه مضايقات عبر الإنترنت آمن بدرجة كبيرة مقارنة بالتحرش المباشر، وذلك لصعوبة إثباته، على رغم أن القانون وضع عقوبة واحدة ومتساوية لكل أشكال التحرش وظروفه وملابساته.

لكن الكثير من الفتيات يتعرضن للتحرش الإلكتروني بكل أشكاله، بدءاً من رسائل التعارف المجهولة، مروراً بالشتائم وإرسال الصور المخلّة، وصولاً إلى الابتزاز والتشهير والتهديد والملاحقة والتلاعب بالصور الموجودة على الصفحات الشخصية. أن معظم ضحايا التحرش الإلكتروني من النساء، إلا أن الرجال يتعرضوا للتحرش أيضاً.

لا شك أن التكنولوجيا قد غيرت حياة الكثيرين، وتقوم بإدارة حياتهم باستخدام مجموعة من التطبيقات المفيدة؛ ولكن للأسف، يوجد جانب سلبي لكل ذلك! فبعض الناس يستخدمون هذه التكنولوجيا لأغراض المضايقة والترهيب والإضرار بالغير. ويتتبعون مواقع الضحايا بهوس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبة أنشطته على الإنترنت ، ويمكن أن يتضمن التحرش الإلكتروني سلوكًا آخر يهدف إلى تخويف الضحايا أو جعل حياتهم لا تُطاق ، فمثلًا قد يستهدف المتحرشون الإلكترونيون ضحاياهم على مواقع التواصل الاجتماعي ويتصيدونهم ويرسلون إليهم رسائل تهديد، كما قد يخترقون حساباتهم الشخصية للتواصل مع جهات اتصال الضحية، بما في ذلك الأصدقاء وحتى أصحاب العمل. والتحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن يتضمن التحرش تزييف الصور أو إرسال رسائل تهديد خاصة، بل حتى ينشر المتحرشون الإلكترونيون في كثير من الأحيان شائعات خبيثة ويوجهون اتهامات كاذبة أو يفبركون مواد إباحية انتقامية وينشرونها، كما قد يتورطون أيضًا في سرقة الهوية وإنشاء ملفات تعريف وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي أو مدونات حول ضحيتهم.

يظن الكثيرين علي خلاف الحقيقة أن التحرش غير مجرم وهذا غير صحيح علي الإطلاق. يعتبر التحرش الجنسي جريمة وفقا للقانون المصري، وفقاً للمواد (306 مكرر ًا "أ") و (306 مكررًا  "ب" - فقرة ثانية) و (309 مكررًا "ب" - فقرة ثالثة) من قانون العقوبات، يتطلب لتوافرها ركنين مادي ومعنوي.

أولا : الركن المادي. الأفعال المادية المكونة لفعل التحرش وهي الأفعال والرسائل والصور المرسلة والتي تخدش الحياء .

ثانيا الركن المعنوي. وهو العلم والإدراك وهو علم المتحرش بقيامـه بارتكـاب تـحـرش وإدراكه لحقيقة وتبعيات ذلك الفعل المؤثم والمجرم قانونا وشرعا.
تجدر الإشارة إلى إن المشرع لم يفرق بين الأماكن العامة أو المطروقة وبين الأماكن الخاصة وساوى بينهم حيث أصبح التعرض للغير يتساوي سواء أكان فى مكان عام أو خاص دونما تفرقة، وأن جريمة التحرش الإلكتروني لا تختلف عن جريمة التحرش بشكل مباشر.

حيث واجه المشرع المصري في القانون رقم 185 لسنة 2023 والذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، لمواجهة جريمة التحرش، وذلك بتشديد التحرش '> عقوبة التحرش (التعرض للغير) المنصوص عليها بالمواد (306 مكرر ًا "أ") و (306 مكررًا  "ب" - فقرة ثانية) و (309 مكررًا "ب" - فقرة ثالثة) من قانون العقوبات.

ونصت المادة (306 مكرر اً "أ") يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق باتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا ارتكبت الجريمة في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل أو من شخصين فأكثر أو إذا كان الجاني يحمل سلاحًا أو إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.

وإذا توافر ظرفان أو أكثر من الظروف المشددة الواردة بالفقرة السابقة يكون الحد الأدنى لعقوبة الحبس أربع سنوات.
وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.

كما نصت المادة (306 مكرراً "ب"- فقرة ثانية): فإذا كان الجاني ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة(٢٦٧) من هذا القانون أو ممن له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه، أو إذا ارتُكبت الجريمة في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل أو من شخصين فأكثر أو إذا كان الجاني يحمل سلاحًا تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، أما إذا توافر ظرفان أو أكثر من الظروف المشددة الواردة بهذه الفقرة تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات.

ونصت المادة (309 مكرراً "ب"- فقرة ثالثة): وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا ارتُكبت الجريمة في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل أو من شخصين أو أكثر أو إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان مُسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادمًا لدى الجاني، أما إذا اجتمع ظرفان أو أكثر من الظروف المشددة السابقة يُضاعف الحد الأدنى للعقوبة

وبناء عليه يجب التعامل بكل حزم وفقاً للقانون لمواجهة ظاهرة التحرش والتعرض للغير نظراً لخطورتها الشديدة على المجتمع وانعكاساتها النفسية على المجني عليه.