د. سامح فوزى
في كل استحقاق انتخابي هناك ناخبون جدد نتيجة للمتغير العمري. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة كان هناك ما يقرب من سبعة ملايين ناخب جديد من جيل الشباب، الذين كانوا في مرحلة الطفولة والنشء إبان الانتخابات الرئاسية عام 2018. وتتسم هذه الشريحة العمرية بعدد من السمات أبرزها أن وجدانها تفتح في أعقاب عام 2011، واكتسب قوامه عام 2013، حيث عاصرت الأحداث الفاصلة التي مرت بالمجتمع المصري خلال هذين العامين، وتركت أثراً في تكوينهم. فمن أدلى بصوته في الانتخابات الرئاسية منذ أيام من هذه الشريحة العمرية كان في المرحلة الإبتدائية إبان تلك الفترة الحرجة، وبالتالي نشأ في مجتمع التحديات، ومواجهة الإرهاب، وإعادة بناء الدولة. هؤلاء هم شباب اليوم لأن كل من شارك بزخم في أحداث عامي 2011 و2013 تخطى الآن مرحلة العشرينيات، وصار في الثلاثينيات من عمره.
هذه المقدمة ضرورية لإبراز أن هناك جيلا جديداً شارك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي لم تٌعلن نتائجها الرسمية بعد، اصطفوا أمام اللجان في صفوف ممتدة، وبرز حضورهم الانتخابي، مدفوعين بشغف التجربة، فقد تفتح وعيهم جميعًا في ظل حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وواجهوا أمام صناديق الاقتراع واقعاً جديداً، وهو وجود أربعة مرشحين، من بينهم الرئيس الحالي، وثلاثة آخرين من رؤساء أحزاب سياسية ربما يتعرفون عليها للمرة الأولى، وعليهم أن يختاروا من يحكمهم. ويصبح السؤال الأساسي: ما هي العوامل التي اسهمت في تشكيل وعي هؤلاء الشباب؟ هل السوشيال ميديا التي يسودها التخبط، والسجال الساخر، وغياب الرؤية في أحيان كثيرة؟ أم التعليم السياسي الخافت في الأحزاب والتيارات السياسية باستثناء تجربة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين؟ أم نقاشات جماعات الرفاق؟ أم الإعلام، الذي قدم ملاحم التضحية في مواجهة الإرهاب عبر عدد من الأعمال الفنية المؤثرة؟ أسئلة كثيرة نحتاج إلي الإجابة عليها، وقد تكون البداية أن يجري مركز متخصص في قياس اتجاهات الرأي العام دراسة حول السلوك الانتخابي لهذه الشريحة الجديدة من الناخبين، والتعرف على مصادر المعرفة الخاصة بهم، وطبيعة اختياراتهم الانتخابية، وتصوراتهم عن دورهم المستقبلي. إذا استطعنا إنجاز هذه الدراسة، فسوف نقف على طبيعة تكوين هذه الشريحة العمرية، وندرك كيف نستطيع أن نجعل منهم مشاركين فاعلين في المجتمع. ليس هذا فحسب، بل نعي أيضا مصادر تشكل الوعي بالنسبة للأجيال الصاعدة، لأنه بعد ست سنوات سوف نكون أمام استحقاق انتخابي جديد، وشريحة جديدة من الناخبين تنضم إلي كشوف الناخبين، تبلغ سبعة ملايين ناخب إذا ظلت معدلات المواليد والوفيات على ما هي عليه دون تغيير. وإلي حين إجراء هذه الدراسة، والنقاش حولها، أظن أن هناك ثلاث مؤسسات أساسية منوط بها العمل على زيادة انخراط هذه الفئة في الشأن العام. أولا: مؤسسة التعليم،ودورها الأساسي هو التكوين، وليس فقط التعليم، سواء الجامعة بالنسبة للشباب من سن 18 إلى 22 سنة، والمدرسة بالنسبة للنشء، الذي سوف يصبح في غضون سنوات مسجلا في قوائم الناخبين. ويعني التكوين تدريب وجدان الجيل الصاعد على مفاهيم التربية المدنية التي تقوم على المشاركة، والمواطنة، والاحترام المتبادل، والتطوع، ومفهوم الواجب، والحق في الاختلاف، الخ، من خلال ذلك يعي النشء والشباب مفاهيم المشاركة العامة، والتي تتعزز بما تتخذه المؤسسة التعليمية من مبادرات اجتماعية تتيح لأبنائها المشاركة في جهود التنمية، ومواجهة الفقر، وحماية البيئة، الخ.
ثانيا: الأحزاب السياسية، التي شكلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة فرصة حقيقية لها للاقتراب أكثر فأكثر من الشارع، وهو أمر ضروري وحيوي حتي تستطيع بناء قواعدها الشعبية، ولا تنشط فقط في المواسم الانتخابية. يتطلب ذلك فتح المجال العام، وبناء المؤسسات الحزبية، والكوادر السياسية الشابة القادرة على خوض غمار المنافسة الانتخابية.
ثالثا: الجمعيات الأهلية، التي صار لها دور أوسع في مجالات التنمية وحقوق الإنسان ومواجهة الفقر والتهميش، في ظل الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني. يحتاج الشباب إلي الارتباط بالعمل الأهلي، الذي يكسبه الوعي بالتحديات الأساسية التي تواجه الدولة والمجتمع، ويضعه في سياق البرامج والأنشطة التي ترمي إلى التغلب عليها. وحين يدرك الشباب أبعاد المعاناة، يسعى بوعي إلى مواجهة المخاطر. وسوف تظل المحليات حاضنة أساسية للشباب، ومدرسة تعليم وتمكين بالنسبة لهم، حيث يخرجون من عزلة الشاشة، ويلتحمون مع قضايا الواقع، وتحدياته. وفي خبرة المجتمعات الحديثة التي تقوم على المشاركة تفرز المحليات العناصر السياسية الكفاءة من الشباب، التي تضطلع بمهام أكبر على المستوى القومي.
نقلا عن الاهرام