ياسر أيوب
هى نفس الحكاية، لكن من حق أى أحد أن يضع لها العنوان الذى يناسبه.. فهناك مَن سيراها حكاية الأب الذى يبقى دائمًا هو السند الحقيقى لأولاده مهما كانت نجاحاتهم أو شهرتهم.. وهناك مَن سيراها دليلًا على أن الخسارة فى بعض الأحيان تبقى أنبل وأجمل وأهم وأشهر من أى انتصار.. وهناك مَن سيتعلم منها أن الإنسان ليس من المفترض أن يستسلم، حتى لو أدرك أنه لن يربح معركته فى النهاية.. وبطل الحكاية هو الإنجليزى ديريك ريدموند، بطل إنجلترا وأوروبا والعالم فى سباقات جرى 400 متر.. وبينما كان يحلم بميدالية أوليمبية فى دورة سول 1988.. أُصيب قبل بدء السباق بدقيقتين فقط، ولم يعد قادرًا على الجرى.. وبعد جراحات وعلاج طويل عاد ديريك يجرى مرة أخرى، وفاز ببطولة العالم فى طوكيو 1991.
وعاد من جديد يحلم بميدالية أوليمبية فى برشلونة 1992.. وبقى ديريك متمسكًا بالحلم الأوليمبى رغم الإصابات الى ظلت تلاحقه حتى ستة أشهر فقط، واستدعت خمس جراحات قبل برشلونة.. وسافر ديريك مع بعثة بلاده، وفى الدور الأول لسباق 400 متر كان هو صاحب الرقم الأسرع، وحافظ على تفوقه ليتأهل لقبل النهائى حالمًا بالنهائى والميدالية.
وبعد 150 مترًا فقط فى سباق قبل النهائى.. فوجئ ديريك بتمزق عضلات ساقه اليمنى، وسقط على الأرض.. وجرى إليه المسعفون لإخراجه من الاستاد، لكنه رفض وقرر أن يكمل السباق حتى نهايته رغم أنه لن يفوز.. وبدأ يقفز خطوة بعد أخرى وهو يكاد يصرخ من الألم.. وبسرعة قفز والده من مقاعد المتفرجين ولم يستطع رجال الأمن منعه من دخول التراك وطلب من ابنه أولًا أن يخرج معه من الملعب.. وحين رفض الابن قال له الأب إنهما سيكملان السباق معًا.. واستند ديريك على ذراع أبيه، وبدأ الاثنان يسيران ببطء حتى خط النهاية، مع تصفيق 65 ألف متفرج وقفوا جميعهم يتابعون الابن وأباه، ويصرخون لتحية الابن، الذى لم يستسلم، والأب، الذى من أجل ابنه كسر كل القواعد الأوليمبية.
ولا تزال اللجنة الأوليمبية الدولية حتى الآن تحتفظ بفيديو للابن والأب وصور لهما فى أرشيفها، مع عبارة تقول إنه يمكن قياس القوة أو السرعة، لكن ليس هناك مقياس للشجاعة والإصرار والإرادة.. ولم يعد أحد يتذكر مَن فازوا بميداليات هذا السباق فى برشلونة، لكن بقى كثيرون يتذكرون ديريك، الذى اعتزل 1994 حين صارحه الأطباء بأنه لن يستطيع أن يجرى مرة أخرى، وتم تكريمه كثيرًا، وأصبح نجم إعلانات.. أما الأب فقد تم تكريمه أيضًا واختياره ليكون أحد مَن حملوا شعلة دورة لندن الأوليمبية 2012.
نقلا عن المصرى اليوم