القمص اثناسيوس فهمي جورج 
خلع اليوم ٢٣ / ١٢ / ٢٠٢٣ م خيمة الجسد أبونا القمص 
مكسيموس وصفي الذي عرفته منذ أكثر من خمسين سنة، وقت أن كان المهندس ماهرًا وصفي، وكان وقتئذ نال درجة الماجستير من كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية.  عرفته خادمًا فاضلًا في التربية الكنيسية من رعيل سامي كامل (أبينا القديس بيشوي كامل)، ضمن صفوة من الرواد الأوائل لمدارس الأحد بالمدينة العظمى الاسكندرية ، من أمثال الأرخن راغب عبد النور، ومحفوظ أندراوس، والدكتور بهجت عطا الله والدكتور عوض قلد ، وا. نسيم سعد ، وا. سمير سليمان ( القمص موسي باستراليا  ) وا. سمير ثابت ( القمص انطونيوس بلندن ) ا. عزت دوس ( القمص شنودة بكندا ) ، وطغمة  كبير من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات الذين تزينت بهم الكنائس والديارات. 
 
لقد عاصرت اختياره لخدمة الكهنوت الجليلة بمذبح العذراء أقدم كتائس الثغر ودُرَّتها. وكانت دعوته الإلهية بفم أبينا القمص بيشوي كامل، فصار رفيقًا لأبينا القمص مرقس باسيليوس حنا الكبير، راعيها الأول.
 
كان أبونا مكسيموس سليل بيت محب لله، فوالده وصفي بسطوروس عرفناه رجلًا تقيًّا خادمًا عاشقًا للكنيسة، وأمه السيدة زايده كانت أمًّا للأيتام، رائدة للعمل الاجتماعي الخيري في جمعية الملاك ميخائيل، وجمعية التوفيق والثبات القبطية. وتلك النشأة ١٢ / ٤ /  ١٩٤١ م غرست فيه ما تبنّاه من أعمال مؤسسية اسسها و برع فيها،  باتقان  على مدى الزمن ، عاملا لاستمرارها  بكل  غيرة ونشاط ومثابرة، وقد بذل فيها الدم والعرق والدموع، وأنفق عليها عمره  الذي أوقفه على خدمة ربنا القدوس حتى نفسه  الأخير. 
 
كان له شوق للحياة  الرهبانية، لذلك أحب سير القديسين، ومواضع جهادهم، وأديرتهم بما حملته من تاريخ، وفنون وجِداريّات وآثار وأيقونات ومخطوطات وتراث. لكن الله دعاه للكهنوت، فلا يقوى أحد على صد دعوة الله التي جاءت بيد أبينا بيشوي كامل صاحب الصوت النبوي  الإلهي، وأبينا مرقس باسيليوس صاحب الجاذبية والكريزما التي لا تُبارَى. والعارفون المطّلعون على ما جرى يعلمون ما أقول.
 
شاء الله فعيّن تاسوني الغالية هدى لتكون زوجته وشريكة دربه. وكانت أيام معدودة بين زيجته في كنيسة العذراء بمحرم بك، ورسامته كاهنًا في الكنيسة المرقسية الكبرى، عندما أوفد الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج، القائم مقام  بعد نياحة البابا القديس كيرلس السادس ، نيافة الأنبا إسطفانوس مطران عطبرة وأم دورمان لرسامة نبيل ميخائيل ( المتنيح القمص اثناسيوس )  وماهر وصفي ( القمص مكسيموس ) في بوم الجمعة ١ اكتوبر. ١٩٧١ م - ٢٠ توت ١٦٨٦ ش . وكان كلاهما من الآباء العلماء الأعلام في المدينة.
 
رغب أبونا مكسيموس في أن يلبث في دير السريان الأربعين يومًا، وقد أعد له لباس الكهنوت المتنيح الراهب بولس الأنبا بيشوي (العم رأف بولس وقتئذ). وكان لرسامتهما رنة فرح كبيرة بتدبير القمص مينا آفا مينا وكيل البطريركية آنذاك. ومنذ رجوعهما من دير مار مينا بعد الأربعين، أحدثا نهضة روحية وعلمية في الرعاية الشابة والافتفاد والتلمذة والتعليم والتأريخ والتوثيق  وحركة التكريس.
 
كانت خدمة أبينا مكسيموس على خُطَى معلمه أبينا بيشوي كامل في العناية بالليتورجيات والعبادة والسهرات والتسبيح وشرح معاني الطقوس  وعمل الايام الروحية الدراسية والخلوات في المكس وابوتلات وكنج مريوط ،  كذلك   رعاية صفوف الشمامسة وإعداد الخدام ومناهج التلمذة ومدارس التربية الكنيسية ( فرع مدارس احد المدرسة المرقسية الاعدادية - فرع جمعية الاصدقاء - فرع جمعية الثبات - فرع  جمعيةالراعي الصالح - فرع نهضة الكرازة )   .
والشيء بالشيء يذكر، فأبونا مكسيموس كانت له خدمة محببة  في مكتبة عذراء محرم بك منذ فجر شبابه ، لذلك داوم على اعمال  النشر والطباعة والترجمة. ولا أنسى كم كان يرسلني إلى المتنيح الطيب الذكر أبينا القمص كيرلس داود ، بعد رجوعه من لوس انجلوس ،  لأحضر من عنده المجموعات  Nicene and Post-Nicene Fathersالتي عكف على ترجمتها ونشرها مطبوعة باللغة العربية ، لتصدرها مدارس التربية الكنسية بعذراء محرم بك. التي كانت رائدة ومبادرة في هذا التخصص بجُهد المؤرخ العلامة المقدِّس يوسف حبيب، مدرس التاريخ الكنيسي وبتعب ا. فايز يعقوب ( ابينا ومعلمنا القمص تادرس يعقوب ) حتي خرجت قوة عظيمة من اياديهم ليتبعهم جيل من الضالعين في الباترولوجي والقبطيات ، كذلك اهتم ابينا مكسيموس بنشر التعليم العقيدي والدفاعي مع القمص صليب حكيم ( الخادم جميل حكيم ) .
 
إن اسم أبينا القمص مكسيموس وصفي يأتي معادلًا لخدمة الأيتام وخدمة المغتربين، ولنشر سير القديسين وترجمتها والتفاسير الكتابية، وللجغرافيا الكتابية، ولشرح الأطالس والخرائط التي ضبطها ونشرها مع العميد بحري نقولا إبراهيم ، ساهرَين مبدعَين في تخصصات لم يُسبَق إليها. ويأتي اسمه معادلًا لاصدار التقويم القبطي السنوي ، ونشر الاجندة الطقسية الليتورجية ، وكتب المناسبات والاعياد الكنسية ، اسمه معادلا ايضا في دعوات التكريس  الكهنوتي والرهباني، فله أبناء صاروا آباء ورهبانًا وراهبات ومكرسين وعذاري  في كل الأرجاء. وقد امتدت على يديه الخدمة، وصارت أضعاف ما أخذ.
لقد استمرت كنيسة العذراء بمحرم بك أمًّا حاضنة للطاقات، والخبرات، وخزانة للتاريخ  الرعوي الذي صار  علي يد كهنتها لتصير دوما شجرة جذورها الإلهية متأصلة في الحقل الإلهي، وتفرعت منها الأغصان من أقصاها الي أقصاها.
 
كنا نقول قولًا مَلِحًنا في فكاهةٍ: "مكسيموس ودوماديوس ولاد مرقس باسيليوس."، قاصدين اخوته الكهنوتية مع ( م. علام ) المتنيح القمص دوماديوس حنا بسطا حيث نضجت الغروس ونمت وأثمرت في فرح الزارع والغارس، بينما كان الكرّام ينمي ويؤصل ، لتبقي  الكنيسة العريقة مركز للامتلاء والترابط والاشعاع الروحي في مذابحها وصحنها وقاعاتها ومقصورتها وملعبها ومرافقها وانشطتها ومعارضها ونهضتها في صوم وعيد شفيعتها ، وذكرياتها المحفورة في قلوب وعقول مخدوميها ، حيث سر الاشتعال والقدوة الخادمة المتكاملة الارثوذكسية النامية .
 
أبانا مكسيموس، من الصعب أن تحوي كلمات مسيرة كهنوتك لاكثر من خمسين سنة تمثل جل عمرنا وتكويننا ، ولاتوجد لغة تحكي سيرتك المعطرة بالأتعاب والجهاد والسهر والركوع والبذل وطهارة السيرة والسريرة. لذلك الان أراك بعين الإيمان حاملًا كتاب وكالتك، ومعك ربح وزناتك ومصباحك مُضاء بزيت الابتهاج، وقد استوطنت عند الرب الهنا ، بعد ان عشت مسكنة الروح ،غريبا مبتعدا عن زخرف العالم وغناه الكاذب ، مكتفيا صاحيا ؛ لتلحق  بالأحباء الذين انطلقوا وتحلّق معهم في نعيم الراحة الخالدة، في الوطن الأفضل، حيث المدينة التي لها الأساسات ، وهاهو صاحب الحقل قد اتي وجاء وقت القطاف  وحان   اليوم   نضج حصادك ونوالك لجعالتك  الحسنة مع  عبيد الله الفعلة الامناء