د. أمير فهمي زخارى
بين صورهم الرمزية والحقيقة
كُتب الكثير عن المجوس وزيارتهم للطفل يسوع وتضاربت الآراء فى جنسيتهم وعددهم خاصة أن الكتاب المقدس لم يذكر بالتفصيل شيئاَ عن هذا الأمر وإنما إجتهادات العلماء والمفسرين هى ما سنطرحه أمامكم فى السطور التالية.
فى البداية كلمة “مجوس” معرَبة عن لفظة فارسية وتعني مفسر الرؤى والأحلام والتنجيم.
وكان المجوس في بلاد فارس والبابليين يحسبون بين المنجمين، أي الذين يتنبأون عن الأحداث بقراءة النجوم. (دانيال 1: 20، 5: 11و 12؛ وارميا 39: 3و 13).
وأما المؤرخون اليونانيون (هيرودت وبلوتارك وسترابو) فكانوا يستخدمون كلمة “المجوس” للدلالة على الكهنة والمنجمين.
أما المجوس في إنجيل متى (2/ 1-12) فيشير إليهم انهم “حكماء”
هذا وذكرت مجلة رسالة الحياة عام 1937 أن المجوس كانوا عبارة عن ثلاثة أفراد وهو العدد المتعارف عليه فى كل مزود يزين البيت احتفالا بالعيد وأن جنسيتهم : مصري وهندي ويوناني اثينى، وكانا من أساطين علماء الفلك لا علاقة بينهم ولا صلة تربطهم، كلَّ منهم يعيش فى جهة متقشفاً متعبداً منتظرين خلاص العالم بظهور هذا الإله المتجسد والذى علموا بقرب تجسده من خلال النجوم الغريبة وعلموا أيضا أن بزوغ نوره سيظهر أولا فى فلسطين ويولد فى قرية تدعى بيت لحم، وتجمعوا دون تحديد ميعاد، فقط متتبعين النجم الذى سطع ليبدد ما أظلم من الليل، و السماء تهلل فى فرح وبهجة من عمل الفداء العجيب.
إلا أن العالم اللاهوتي “فرر” وهو من أعظم اللاهوتين تعمقًا فى البحث والفحص فقال إنهم من الفرس وأنهم من أنبغ القوم فى العلوم الفلكية، وعن عددهم يقول القديس أوغسطينوس ويوحنا ذهبي الفم أنهما كانا اثنى عشر ولكن المشهور عنهم أنهم كانوا ثلاثة فقط وبنى هذا الإعتقاد على عدد التقدمات التى قدموها للطفل المولود.
أما العالم بيد فذكر فى بحثه الذى نشرته مجلة “الكرمة“ والتى كان يصدرها معلم الأجيال حبيب جرجس عام 1927 أن أحد هؤلاء الثلاثة يدعى “ملخيور” وينتسب لنسل سام وكان شيخاً أشتعل منه الرأس شيباً وتزينه لحية طويلة مسدولة ، والثاني” كاسبار” وهو من نسل حام وكان شاباً ممتلئاً قوة وحزم لا لحية له كسابقه ، والثالث” بلشاذار” من نسل يافث وكان رجلاً فى مقتبل العمر وعنفوان القوة، فكأن هؤلاء الثلاثة فى زيارتهم للطفل يسوع نابوا عن العالم أجمع بأجناسه الثلاثة وعن العمر فى أدواره الثلاثة.
أما عن الذى دفعهم لقطع كل تلك المسافات الشاسعة فهو تطلعهم لرؤية المولود العظيم، وذكر تاسيتوس وسيوتينوس ويوسيفوس بأنه ذاع فى العالم الشرقي فى ذلك العصر اعتقادا بأن مقاطعة اليهودية سيخرج منها فى وقت قريب ملك قوى خاصة أن العالم فى عصر تجسد السيد المسيح له المجد كان قد سئم عيشة الرذيلة وإشتاق لقدوم المخلص ويتضح ذلك من خلال قول نيبوهر ” إن عصرنا ثمل بخمرة الإثم” أما فرجيل ففي نشيد الرعاة الفصل الرابع يقول: يستنكر شرور الناس ويتنبأ بظهور مخلص يهديهم ، وهكذا ذهب المجوس إلى بيت لحم لتعقب النجم الذى ظهر فى المشرق لأنه كان يظهر قبلاً فى القبة الزرقاء نجوم وتختفى وكانت هذه من أقوى العلامات على قيام ملوك وموت آخرين.
ويقول الاب لويس حزبون: لا يذكر انجيل متى كم كان عدد المجوس الذين جاءوا ليروا الطفل يسوع. فالكنيسة الشرقية تعتقد أنهم كانوا 12 مجوسيًا، ولعل ذلك نتج عن أهمية العدد “12” في الكتاب المقدس (كما في 12 سبطاً، 12 تلميذاً). وتقول الكنيسة الغربية إنهم كانوا ثلاثة رجال حكماء، بافتراض أن كل واحد منهم قدم نوعاً من الهدايا الثلاث المذكورة هذا وتكمن الأهمية فى زيارة المجوس للطفل يسوع أنها أعلنت التناقض بين إيمانهم المذهل وعدم إيمان الشعب اليهودي.
فبينما قدّم هؤلاء المجوس الغرباء الإكرام والسجود للمسيح المولود، فإن هيرودس ورؤساء الكهنة دبّروا مؤامرة لقتل الطفل يسوع (2: 3- 6).
وهكذا نجد الأمم يؤمنون، بينما لم يؤمن غالبية الشعب اليهودي.
هذا هو المقال الثانى للمجوس ... ومنتظر أي ملاحظات أو تعليقات عنهم ...تحياتي.