ياسر أيوب
الحب ليس شرطًا أساسيًّا وضروريًّا لإتمام حكاية زواج.. فقد يتزوج اثنان رغبة منهما فى اقتسام جروح ومعاناة بدلًا من أن يتحملها كل منهما بمفرده.. وهكذا تزوج أندرياس كريجر من أوتى كروسيه، التى كانت تكبره بثلاث سنوات، وسبق لها أن تزوجت، وأنجبت ابنة، سمّتها «كاتيا».. وقبل إتمام الزواج، اضطر «أندرياس» إلى مصارحة «كاتيا» بأنه كان فى الأصل امرأة، تحولت إلى رجل، بعد جراحات كثيرة وعلاج طويل.. فقد كان «أندرياس» و«أوتى» من بين قرابة عشرة آلاف لاعبة ولاعب فى ألمانيا الشرقية تم استخدامهم كأنهم آلات لمجرد أن تصبح ألمانيا الشرقية قوة رياضية عظمى تنافس الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.. وتم إجبار كل هؤلاء على تناول هرمونات ومنشطات بشكل دائم لسنوات طويلة من أجل البطولة والميدالية.
وكان الثمن هو الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان وأزمات القلب والاكتئاب الحاد والعقم أو إنجاب أطفال مشوهين بعيوب خلقية.. واحدة منهم كانت هايدى كريجر، الفائزة ببطولة أوروبا فى رمى الكرة 1986.. وفى سن الرابعة عشرة تم إلحاق «هايدى» بمدرسة رياضية ونادى دينامو التابع لستاسى أو البوليس السرى لألمانيا الشرقية.. وبدأت «هايدى» تتناول يوميًّا أقراصًا زرقاء، بأمر مدربيها، الذين قالوا لها إنها فيتامينات، بينما هى فى الحقيقة أقراص تورينابول المنشطة مع أقراص منع الحمل.. ومع تراكم هرمون الذكورة فى دماء هايدى، بدأ وزنها يزيد، وينمو شعر ذقنها، ويخشن صوتها، ولم تعد تعرف هل هى امرأة أم رجل.. وفى إحدى الرحلات كانت فى مطار فيينا، وأرادت دخول دورة المياه، فاعترضت العاملة، وأشارت إلى «هايدى» بأن دورة الرجال فى الناحية الأخرى.. ورغم سقوط سور برلين فى 1989 وتوحيد الألمانيتين.
بقيت «هايدى» تعيش اكتئابًا مدمرًا واضطرابات نفسية حادة، دفعتها إلى محاولة الانتحار.. وقررت فى 1995 إجراء جراحة تغيير الجنس لتصبح رجلًا، واختارت لنفسها اسمًا جديدًا، هو أندرياس كريجر.. الرجل الذى قرر أن يتزوج من أوتى كروسيه، بطلة السباحة السابقة، التى عانت كثيرًا وطويلًا من ممارسات رياضية قاسية ومدمرة للبوليس السرى الألمانى.. رغم أن معاناة «أوتى» تختلف فى بعض تفاصيلها عما عاشته «هايدى» قبل أن تصبح رجلًا اسمه «أندرياس».. ومرت سنوات طويلة التزمت خلالها لاعبات ولاعبو ألمانيا الشرقية السابقة بالصمت خوفًا من تهديدات مسؤولين سابقين.. ولم يَدُمْ هذا الصمت، وبدأ كثيرون من هؤلاء أخيرًا يتحدثون، ويحكون عما جرى.. توالت الحوارات والشهادات والكتب الكثيرة، التى كشفت تفاصيل وأسرار أقسى وأكبر جريمة رياضية عرفتها أوروبا والعالم كله.. ولم يعد «أندرياس» يخجل من أن يحكى كيف ولماذا تحول من «هايدى» إلى «أندرياس»، محاولًا أن يعيش من جديد.
نقلا عن المصري اليوم