سامح فوزي
تداولت وسائل الإعلام عربيا ودوليا فى الساعات الماضية ما أطلقت عليه المبادرة المصرية لإيقاف الحرب فى غزة، والتى تشمل ثلاث مراحل، وإجراءات من الجانبين، وصولا إلى تصور متكامل لما سيكون عليه الوضع عقب انتهاء العمليات العسكرية فى غزة. وأهم ما يميز هذه المبادرة أنها لا تشمل فقط تسوية أزمة الرهائن عبر هدن مؤقتة، وإيقاف الاعتداء الإسرائيلى، وإدخال المساعدات اللازمة لأهالى القطاع، ولكن أيضا ترتيب الأوضاع عقب انهاء الحرب. وقد لفت الانتباه أن هذه تهيئة الأوضاع فى غزة بعد الحرب عبر هذه المبادرة تتسم بواقعية، وقراءة متأنية للواقع، وتشكل فى ذاتها تسوية بعيدة المدى تحول دون تجدد العمليات العسكرية مرة أخرى، وتعيد التلاحم بين الكيان الفلسطينى، وتفسح المجال عمليا للتفاوض حول الدولة الفلسطينية. وبينما كانت هناك سيناريوهات غير واقعية راجت فى الفترة الأخيرة، مثل وجود قوات دولية، أو إعادة إسرائيل احتلال غزة لفترة زمنية غير محددة، أو إعادة السلطة الفلسطينية دون ترتيب للأوضاع هناك. المقترح المتداول يشمل حكومة تكنوقراط، من كفاءات فلسطينية، تدير الضفة الغربية وقطاع غزة، تعيد الاستقرار، وتتولى ملف إعادة الأعمار، وتهيئ الأجواء لإجراء انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية تشكل أساسا للاستقرار والشرعية، الأمر الذى يفسح المجال للتفاوض حول قيام الدولة الفلسطينية، أو ما يعرف بحل الدولتين، من ناحية، ويسد الذرائع التى تستخدمها إسرائيل لتقويض عملية السلام من ناحية أخرى.
تصور واقعى، يجعل هناك قابلية لتحقق الاستقرار. وحسب صحيفة واشنطن بوست، لم تعلن الأطراف موقفها، بخاصة إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بل إن بنيامين نتنياهو تحدث فى مجلس الوزراء عن حرب طويلة، وشهور قادمة من القتال حتى تحقق العملية العسكرية أهدافها المعلنة، التى لم تحقق أى منها إلى الآن، فلم تستعيد إسرائيل الرهائن بالكامل، ولم تقض على حماس، ولم تمنع التهديد لها، الذى تضاعف وأخذ أبعادا أخرى بدخول الحوثيين على الخط، إضافة إلى التوتر على الحدود الشمالية لإسرائيل، وفرار سكانها من الشمال خاصة مع احتمال تدهور الأوضاع نتيجة الاشتباكات المتقطعة بين إسرائيل وحزب الله.
ليس أمام إسرائيل فرصة إلا قبول هذه الصيغة، فكل المؤشرات تشير إلى أن الحرب التى أدت إلى نحو 21 ألف قتيل فى غزة، فضلا عن آلاف الجرحى، وتدمير المنشآت والبنية الأساسية لن تنتهى بتحقيق ما تتطلع إليه إسرائيل، التى تتكبد يوميا خسائر متزايدة، لم تعلن عنها بالكامل حسب تقدير البعض. ومهما كان التأييد الأمريكى لإسرائيل، فإن واشنطن لن يكون بوسعها أن تحتمل شهورا أخرى من قتال فى غزة، لا يحمد عقباه، وقد تؤدى إلى انزلاق المنطقة برمتها فى خسائر مروعة، ويكفى أنه للمرة الأولى منذ عقود تتهدد الملاحة فى البحر الأحمر على هذا النحو، ربما منذ تسعينيات القرن العشرين نتيجة عمليات القرصنة، ويغلق ميناء ايلات أبوابه، وتتجه كبرى السفن والناقلات لطريق رأس الرجاء الصالح بما فيه من نفقات مرتفعة، وتكلفة تأمين عالية، ووقت أطول، واضطراب فى سلاسل الامداد.
أيضا بالمنطق نفسه، ليس أمام الفلسطينيين إلا المضى فى هذا المسار، فلن يصبح ممكنا أن يستمر حكم حماس فى غزة بعد هذه الحرب، ولا سبيل سوى المصالحة الفلسطينية، والمضى نحو ترتيب البيت من الداخل، وقيام حكومة تكنوقراط دون ولاءات سياسية، تمهد الطريق أمام الانتخابات العامة التى ألغيت منذ عامين.
نقلا عن الشروق