زهير دعيم
بعد يوم واحد ستسقط آخر ورقة من روزنامة الأيام، ورقة خريفية اصفّرت واحمرّت وسالت في اشهرها الأخيرة دمًا ودموعًا .. ورقة قد نذكرها بالخير حينًا وبالدمعة حينًا آخر؛ ورقة كانت خضراء ناضرة، حملت وقتها الآمال ، وملأت نفوسَنا بالأماني وسرعان ما تبدّلت وتغيّرت وهاجت وماجت .
لقد خيّبت ظنّنا في كثير من الامور، وحقّقت بعض آمالنا هنا وهناك ؛ آمال شخصية وفردية وعائلية.
نعم خيّبت في نهايتها آمال الكثيرين وأكثر ، كيف لا وقد غمر الحزن الشرق وملأ النفوس كلّ النفوس بالخوف الرّعدة والهواجس واليتم والتشريد هنا وهناك!! ..
لقد أصبحت أو كادت ان تصبح السنة الفائتة ماضيًا وتاريخًا وذكرى ؛ ذكرى قاسية ، حارقة .. ولكنّ الحكمة الإلهية تقول أن نمتدّ دومًا الى الامام ، فالحارث الحاذق يجب ان ينظر الى الامام ابدًا لا ان يلتفت الى الخلف، وان حدَث َوالتفتَ فلتكن التفاتة قصيرة يستمدّ من خلالها شذا العِبرة وأريج التواصُل.
لقد انقضى عام ، وولِدَ لنا في مذود الحياة عام جديد...عام مُقمّط بالأماني ، مُسربلٌ بالنور ومُتلفّعٌ بالأسرار، عام نريده بارًا لا عاقًّا، يحملُ في حقويْهِ الخير والهناءة والسلام وأقول السّلام . عام تسقط فيه ورقة التين عن عوْرة الظُّلم أينما حلّ في الأرض ، وتُدكّ فيه عروش الاستبداد ، ويحتضر فيه الجوع والجهل والمرض.
انّنا نرنو الى عامٍ تتبخّر فيه الدكتاتوريّة واستبداد الأغلبية المُتجبّر ، وتطير الى غير رجعة عهود التسلّط والتزمّت والظلامية والانانية الضيّقة ودوْس الحقوق والحرّيات، وانتهاك الحرمات والمقدسات.
نتوق الى عام تَشُقُّ فيه بِيضُ الحمائم بهديلها المرنان عنان السماء وهضبات الارض ؛ عام تخضرّ ُفيه الأماني وتنزرع البسمات على شِفاهِ الأطفال في كلّ بقعة من بِقاع الأرض.
عام نكنس فيه الظلم والعنف والاسلحة بكلّ انواعها واشكالها ومُسمياتها!!
عام يحصحصُ فيه الحقّ الإلهيّ ، ويُبرعِمُ فيه الخير ويزهر من خلال ثناياه الأمل.
عام لا نقول فيه سقى الله تلك الايام ، بل نقول فيه : "ما احيلى هذه الايام ، ورحم الله الايام الخوالي بكلّ نورها وديجورها.
ما أحوجنا اليوم حقًّا الى باقة من الأمل حتّى ولو كانت اصطناعية ، خيالية ، حالمة، فيها الكثير من التفاؤل والقليل من الواقعية.
لكن لا بأس فالاشتياق الى الافضل والى الامل النابت على جنبات الآتي يشدّاننا الى التمسّك بالحياة ، والسير قُدمًا في مدارج الايام .
مَنْ قال أنّ الايام تسير القهقرى ، وأنّ الخير يتبخّر من الدّنيا ؟!
من قال انّ الايام الخوالي كانت تاجًا رصّعَ جبين الماضي ؟!
اننا نتوق فعلًا الى عالم جديد يحمل الخير والسلام والطُمأنينة لكلّ البشر ... الى السود والبيض والصُفر والحُمْر وشتّى الالوان.
اننا نتوق وبصدقٍ الى مَنْ يزرع البسمات على شفاه الجياع والمظلومين والمرضى ، فيفتك بسلطان الحروب الملعونة ويُجهزُ على بُعبع الجهل والتزمت.
ما اجملّ أن نكنِزَ لنا في الارض أملًا وفي السماء زادًا ، فالمحبة كانت وما زالت زاد الملائكة,، وزوّادة الحياة الفُضلى، وعنوان الخير ورمز المستقبل الأبهى.
بالمحبة وحدها نداوي الأوصاب والعلل ونشفي الجروح والقروح .
بالمحبة فقط نبني جسور التواصل ونهدم جدارَ العِداء ، ونقطع الدّرب على اللصوص وقُطّاع الطُرق.
بالمحبة فقط ؛ محبة يسوع المُخلّص نعطي للإنسانية لونًا ومعنىً ، ونُلوّن حياتها بالحياة .
لقد انقضى عام او كاد وولِدَ لنا عام .
لقد وُلِدَ لنا طفلٌ جديدٌ ، فلنفرح ونتهلّل به، وننتظر من خلاله أملًا اخضرَ يؤرّجه السلام .
وكل عام والجميع بخير