سامح فوزي
أصبح من طقوس الاحتفال برأس السنة، ومناسبة عيد الميلاد التى تتواكب معها، أن يخرج عدد من الناس يدعون إلى تحريم الاحتفال بها، ثم نجد عددًا من القيادات الإسلامية يرفضون تلك الدعوة، ويؤكدون أن المشاركة فى الاحتفال والتهنئة لا تمثل خروجًا على الدين، بل تعبيرًا عن البر والإحسان الذى ينطوى عليهما فى علاقة المسلمين بالمسيحيين شركاؤهم فى الوطن.
رغم رجاحة منطق القيادات الإسلامية، وصدق وطنيتهم، وإيمانهم الرشيد بالعقيدة الإسلامية، فإننى غير سعيد بهذه السجالات، التى أصبحت ثقيلة، لا تخلو من سخف: أن يأتى نفر من الناس، لا أعرف توصيفًا لهم، يدعون إلى تحريم التهانى بالأعياد، ثم تخرج قيادات دينية ترد على ذلك. المشهد برمته يسىء إلى التجربة الحضارية المصرية، ولا يصح الاستمرار فيه، لأننا لسنا مجتمعا ناشئًا فى مجال التنوع الدينى، ولم تكن علاقة المسيحيين بالمسلمين فى المجتمع المصرى طيلة فترة تاريخية طويلة تحكمها آراء دينية مستوردة من مجتمعات أو كتابات غابرة، بل خبرة التعايش الواحد، والثقافة المشتركة، واقتسام الحياة بحلوها ومرها.
من أى مورد أتى هؤلاء الذين يرددون هذه الآراء المسمومة، ويقطعون حبل التواصل بين المصريين؟
فى رأيى أن هؤلاء يسعون إلى تخريب الدولة المصرية قبل استهداف المسيحيين، والدليل على ذلك أن آراءهم المتشددة ترافق أحاديثهم السلبية والهدامة عن الدولة ذاتها. وعندما تقرر الدولة أن يكون عيد الميلاد عطلة رسمية، ويذهب رئيس الدولة، وكبار المسئولين، والقيادات الإسلامية إلى الكنيسة للتهنئة، ثم يأتى من يروج هذه الآراء، فإن المقصود ليس المسيحيين، لأنهم سوف يحتفلون بالعيد فى كل الأحوال، بل الدولة، وقياداتها، ورموزها، وصورتها أمام العالم.
المسألة ليست آراء تُقال يمكن تجاهلها، أو أحاديث متعصبة نرد عليها تحت لافتة حرية الرأى والتعبير، ولكنها سموم موجهة تصب مباشرة فى خطابات الكراهية، والتحريض على المختلفين دينيًا، وهو ما يستوجب أن تتخذ الدولة إجراءات رادعة تجاه من يروج هذه الآراء، أو يحض عليها، أو ينشرها على الملأ. بالتأكيد فإن لكل شخص حريته فيما يعتقد ويفعل، ولكن الحض على نبذ الآخرين، يمثل الخطوة الأولى على طريق كراهيتهم، ثم الاعتداء عليهم. وهناك فرق بين الموزع والمتلقى، من يوزع الآراء يستحق العقاب، أما المتلقى فيمكن الحديث معه، وبيان أوجه الخطأ فيما يتلقى من آراء، أما المساواة بين هذا وذاك، فتلك هى واحدة من أسباب انتشار التطرف فى المجتمع.
ومما أسعدنى أن الشعب المصرى يوجه صفعات على وجوه من يروجون هذه الآراء، ليس فقط فى أحاديث قيادات إسلامية معتبرة، ولكن أيضا فى مظاهر السلوك اليومى. فمن يتأمل احتفالات وبهجة الناس فى الشوارع ليلة رأس السنة يدرك أن هذه الآراء المتطرفة التى تروج منذ سنوات، ويعاد التذكير بها كل عام لم تنتج تأثيرها، ومن يرى منصات التواصل الاجتماعى تعج بجميع صور التهانى، يدرك أن الناس لفظت التطرف، فكرا وسلوكًا، ولم يعد له سوق رائجة مثلما يتصور البعض.
وحتى لا نخطئ السبيل، فإن أصحاب مشروع التطرف لهم غايات سياسية فى المقام الأول، وهى السيطرة على العقول، ثم بعد ذلك الهيمنة السياسية. وبالتالى لا نستهين بمعركة التنوير، والتى تكتمل بالقانون، لأن انتظام العلاقات بين المواطنين، وسلامة الفضاء النفسى الذى يعيشون فيه تستند فى الأساس إلى التطبيق الرادع للقانون.
نقلا عن الشروق