مع مطلع عام 2019، عاهدتْ شيرين نفسها أمام الجمهور بإغلاق فمها بـ(السوستة) ولن تفتحه أبدا إلا وهى تغنى، إلا أنها لم تلتزم بالوعد سوى بضعة أيام، وبعدها فتحت (السوستة) على الآخر.
تعرضت أكثر من مرة للتحقيق أمام نقابة الموسيقيين فى عهد هانى شاكر، كما أن الإذاعة الرسمية فى توقيت ما أوقفت السماح بأغانيها، بسبب انفلاتها فى أكثر من حفل.
فى (قرطاج) مثلًا أغضبتهم عندما قالت إن ابنتها لا تستطيع أن تنطق اسم تونس وتطلق عليها (بقدونس).. وفى الكويت أغضبت النساء هناك عندما طالبتهن بالخضوع المطلق للرجال.. وفى البحرين أغضبت المصريين عندما قالت إن من يشرب من ماء النيل لا يعود إلى مصر لأنه سيصاب بالبلهارسيا.. فهى بحسن نية بضربة واحدة قد نالت من مصر وتونس والكويت، ووجهت أيضا بغشومية ضربة تحت الحزام فى حفل زواج كندة علوش من عمرو يوسف لأكثر مطرب حقق جماهيرية فى العالم العربى «عمرو دياب»، قائلة: (راحت عليه).
ورغم كل ذلك، فإن ما أقدمت عليه شيرين من أقوال، أو حتى لو وصفها البعض بالأفعال، ينبغى أن نضعه فى إطار حالة شيرين.. الناس تتعامل معها على هذا النحو.. فى مطلع هذا العام، عز عليها أن يمضى رأس السنة بهدوء، ردت على تحية الجمهور فى دبى عندما قالوا لها: (حمدالله ع السلامة)، قائلة: (حسيت وكأنى راجعة من العراق)!.. بينما العراق يتعافى من الحروب والتناحر الطائفى.. إلا أنها بتلك الكلمات الساخرة تعيدنا للمربع رقم واحد.
كُثرٌ فى الحياة الفنية يخرجون عن النص، أشهرهم يوسف شاهين، لا أحد يضاهيه فى الانفلات اللفظى، إلا أن يوسف يعرف المساحة التى يتحرك داخلها، وكان قادرا على اختيار التوقيت، إلا أنه فى السنوات الأخيرة من حياته فقدَ تلك المرونة، وأصدر وزير الإعلام قرارا بعدم استضافته على الهواء، وكان يتم أولًا تسجيل اللقاء ويعرض بعدها وكأنه على الهواء.
تلك الشخصيات وغيرها، لو أنك خصمت منها تلقائيتها وأغلقت أفواههم بـ(سوستة) على طريقة شيرين، لأصبحوا حالة فنية وإنسانية أخرى.
مثلًا ومع تعدد ما أقيم من استفتاءات لاختيار الأفضل، فإن أكثر صوت حظى بإجماع مصرى وعربى هو شيرين.. فهى الأصدق؛ لأنها تمس مباشرة القلب نشوةً وطربًا.
شيرين لم تأخذ أى حظ من التعليم النظامى، تتكئ على قلب ذكى، قادر فقط على أن يوجّهها لاختيار الكلمة واللحن، إلا أنه يضل الطريق فى كل شىء آخر؛ عندما تتحدث لـ«الميديا»، أو على خشبة المسرح، أو حتى عندما تقرر الزواج أو الطلاق!.
قد يرى البعض من فرط الحب أن على شيرين ألا تكتفى فقط بـ (السوستة)، بل عليها إيثارًا للسلامة ومنعًا لأى خطأ محتمل أن تحيك فمها بإبرة وفتلة.
لا أريد أن نصل لتلك الحالة من التوجس.. أتمنى أن نبدأ جميعا العام الجديد وكل منا يبوح للدنيا بكل (اللى فى قلبه)، نستعيد رباعية صلاح جاهين: (يا عندليب/ ماتخافش من غنوتك/ قول شكوتك/ واحكى عن بلوتك/ الغنوة مش ح تموتك/ كتم الغنا/ هو اللى ح يموتك/ عجبى).
نواجه بقوة تلك الدعوة، ومن الممكن أن تجد لها دائرة واسعة من المؤيدين ترفع شعار (سوستة لكل مواطن).. نعم، فى كثير من الأمور صار هناك فريق يعيد تأويل كل كلمة، يمنحها ظلالا وأبعادا ومعانى لم تخطر أبدا على بال قائلها.. بعضنا، منعًا للدخول فى نفق مظلم، يفكر مرتين قبل أن يفتح السوستة.
شيرين الإنسان والفنان وجهان لعملة واحدة.. لو أعادت برمجة مشاعرها وصارت فى حالة انضباط كامل، ساعتها سنخسر شيرين الفنانة، ستصبح شيرين بعد إضافة التحسينات (منزوعة الحضور)!.
نقلا عن المصرى اليوم