كيف نتعامل مع عام 2024 فى أيامه الأولى؟.. من أين نبدأ؟.. هل من هذا الكم الهائل الذى غرقنا فيه من التنجيم وقراءة الطالع والتاروت وجرعة التفاؤل والتشاؤم لكل برج؟.. أم نحمل أحلامنا المعلقة فى صور يزدحم بها الحائط لنقتص من السنوات الضائعة المحملة بالأوجاع والهزائم.. كأن عجلة الزمن كفيلة بأن ترفع القهر عن البشر وتحقق الأمنيات المستحيلة؟
هل ندخل العام الجديد بنفس أدواتنا، نندب حظنا ونشكو الغلاء ونلعن الظروف، نترحم على أيام زمان والخل الوفى الذى تاه فى الزحام.. أم نستبدل بها أمنيات جديدة أكثر منطقية وفاعلية، تتحلى بالحكمة والرغبة فى اقتحام أمواج الحياة المتلاطمة والتغلب عليها.. وقهر كل الصعاب التى تقف أمامنا؟!.
الواقع يقول إن الأزمة الاقتصادية تطوق العالم، والحروب والنزاعات المسلحة تدق حدودنا بعنف، فتزيد الاقتصاد وهناً.. كوابيس ملغمة تنفجر فى وجوهنا كل ليلة من فلسطين إلى السودان إلى أوكرانيا.. ونحن غارقون فى المشكلة إما بمحاولات التسوية أو بدفع فاتورة وتداعيات الحرب.. وجميعها لم نكن طرفاً فيها ولم نخترها.. لم نختر حتى أن نقول لا فى وجه ملايين اللاجئين لحضن مصر، فزادت أسعار العقارات والإيجارات على الشباب الذى يختصر «حلم الوطن» بأكمله.
لقد اعتدنا أن نستقبل العام الجديد بفتاوى السلفيين الداعشية بتحريم تهنئة المسيحى بعيد الميلاد المجيد، وترديد فتاوى ابن تيمية التى يعيدون نشرها فى كل مناسبة، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعى، لنشر أيديولوجياتهم المتطرفة التى تدعو إلى العنف ونفى الآخر، وتسرى الفتاوى الشاذة والمغرضة للقرضاوى و«برهامى» كالنار فى الهشم.. رغم أن الفاطميين كانوا أول من احتفل بميلاد السيد المسيح.. فهل تبدأ العام الجديد بالبحث عن هويتك الوطنية؟
«لا شىء يقلقنى».. فأنا قد حققت ما استطعت من طموحى وأحلامى، لكن واقع الشباب وأحلامهم المشروعة توجعنى.. لقد أصبح الواقع المادى يدهس أحلام الشباب ويضعها فى خانة «المستحيل».. ولا أريد الدخول فى تفاصيل الحروب والأوبئة والسياسات التى أدت لذلك.
أنا أحزن عندما أرى الشباب لا يقرأ، هل سيعود المجتمع للقراءة والمعرفة واحترام العلم والعلماء، ويسأل الشباب من جديد ويجد من يداوى حيرته ويجيب تشككه من الأدباء والفلاسفة؟
أشعر كأننى أفتش عن عالمى الذى نشأت فيه، وكأنه «المدينة الفاضلة» التى لا بد أن ينشأ فيها الجميع.. هذا العالم لم يعد له وجود، أصبح منسياً لا أحد يتذكره.. لا أحد يتحدث عن ملمس الكتاب ورائحته ومتعة أن تكتب شعراً وتهديه لمحبوبتك.. أبطال عالمنا الجديد مختلفون، أغلبهم أبطال من ورق: البعض تراقص على «تيك توك» أو قدم مشاهد عبثية، والآخر أتقن السب والتشهير بكريمة المجتمع على السوشيال ميديا فعرفت الملايين والأضواء طريقها إليهم تماماً مثل مغنى المهرجان الذى اشتهر بأغنية تحوى ألفاظاً نابية.. أرفض أن يكون هؤلاء «القدوة والرمز» لمعظم جيل الشباب الذى تجمد وفى يده موبايل وإنترنت!.
صحيح أن لدينا صفوة أخرى من الشباب تعمل وتجتهد.. لكنهم للأسف ليسوا الأغلبية.. والمشكلة أن العالم يضيق بفرص العمل والزواج لهم جميعاً.
الترحم على أيام زمان ليس حالة «نوستالجيا» بل هو عودة للبحث عن «قيمة الأشياء» ومعنى الحياة.. عن أهداف تبدأ بالإنسان وتنتهى بالوطن.. فالمجتمع هو حصيلة الأفراد الذين فرمتهم آلة الزمن ودفعتهم جميعاً على قضبان المادة ليتهاوى مفهوم «القيمة» من بين أيديهم.
ليس لدىّ «أجندة عمل» للإصلاح.. إنها مجرد خواطر على هامش عام جديد.
نقلا عن الوطن