القمص يوحنا نصيف
يلخِّص القديس يوحنّا الحبيب هدف مجيء الله الكلمة إلى عالمنا متجسِّدًا، بقوله:
"اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ" (1يو4: 9).
تَغَنّى آباء الكنيسة الأوائل بتجسُّد ابن الله الوحيد، وكشفوا لنا من خلال كتاباتهم الثمينة الأهداف الإلهيّة، والنتائج التي حصل عليها الإنسان، من اتحاد الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة في شخص المسيح الواحد..
ويسرّني في هذا المقال عرض اثني عشر هدفًا للتجسُّد، من قلب كتابات الآباء الجميلة، لنفهم ونفرح معًا، ونزداد رجاءً وحُبًّا ليسوع الذي أحبّنا كلّ هذا الحُبّ، وتنازل لكي يسكن فينا، ويفتدينا بدمه، ويُحيينا بروحه..
* لماذا تجسَّدَ ابن الله الكلمة الأزلي؟!
1- لكي يَغرِس نفسه فينا باتّحادٍ لا يقبل الانفصال.
"لقد صار الكلمة جسدًا.. ووُلِد حسب الجسد من امرأة، واقتنى لنفسه الجسد المأخوذ منها، لكي يَغرِس نفسه فينا باتّحادٍ لا يقبل الانفصال."
(ق. كيرلّس السكندري - تفسير إنجيل لوقا 22: 19)
2- لكي يكون بدايةً ووسيلةً لاشتراكنا في الروح، ولاتّحادنا بالله.
"السِرّ الذي تمّ في المسيح (اتّحاد الطبيعة الإلهيّة بالبشريّة)، هو بداية ووسيلة لاشتراكنا في الروح، ولاتّحادنا بالله."
(ق. كيرلس السكندري - تفسير إنجيل يوحنا 17: 21)
3- لكي يحلّ الزرع الإلهي الذي هو الكلمة، في كلّ النفوس المؤمنة، فتولَد مِنه ميلادًا روحيًّا.
"الطبيعة البشريّة التي كانت قد ماتت بالتمام، بالبُعد عن الله، ولم تعُد تأتي بثمرٍ بعد، ونفسنا التي صارت يابسة وقفرة، اليوم قبلت الزرع السماوي.. هذا الزرع الإلهي هو الكلمة الذي حلّ في بطن والدة الإله مريم، وهو يحلّ في كلّ النفوس المؤمنة، فتولَد منه ميلادًا روحيًّا، هو الخلاص."
(ق. مكاريوس الكبير - عظة 28)
4- لكي يجمع كلّ شيء في نفسه، ويحتوي كلّ شيء، ويبيد الموت ويُظهِر الحياة، ويعيد الوحدة بيـن الله والإنسان.
"في ملء الزمان، صار الكلمة منظورًا وملموسًا، لكي يجمع كلّ شيء في نفسه، ويحتوي كلّ شيء، ويبيد الموت ويُظهِر الحياة، ويعيد الوحدة بين الله والإنسان."
(ق. إيرينيؤس - برهان كرازة الرسل)
5- لكي يوحِّد الإنسان مع الله، ويُعيد الأُلفة والتوافق بينهما.. يُقَدِّم الإنسان إلى الله، ويُظهِر الله للإنسان.
"المسيح وحَّد الإنسان مع الله.. فقد كان لائقًا أنّ الوسيط (1تي2: 5) بين الله والناس، بحقّ قرابته الخاصّة مع كلٍّ منهما، يُعيد الأُلفة والتوافق بينهما، ويقدِّم الإنسان إلى الله، ويُظهِر الله للإنسان.. لقد جاء ليُعيد للجميع الشركة مع الله."
(ق. إيرينيؤس - ضدّ الهرطقات 3)
6- لكي يرتقي الإنسان نحو الله.. يتّحد بالكلمة، ويَقبَل التبنّي، ويصير ابنًا لله.
"إنّ البعض لا يقبلون عطيّة التبنّي، ويحتقرون الميلاد البتولي الذي به تجسَّد الكلمة. وهم بذلك يحرمون الإنسان من الارتقاء نحو الله، ويصيرون غير شاكرين لكلمة الله الذي تجسَّد من أجلهم. فإنّ لهذه الغاية قد صار كلمة الله إنسانًا، وصار ابنُ الله ابنًا للإنسان، لكي يتّحد الإنسان بالكلمة ويقبل التبنّي ويصير ابنًا لله."
(ق. إيرينيؤس - ضدّ الهرطقات 3)
7- لكي نستطيع أن نتألّه، إذا ما نلنا من روحه.
"لقد صار الكلمة جسدًا، لكي يقدِّم هذا الجسد من أجل الجميع، فنستطيع أن نتألَّه إذا ما نلنا من روحه. ولم يكُن مُمكنًا أن ننال ذلك بأي وسيلة أخرى إلاّ بأن يلبس هو جسدنا المخلوق."
(ق. اثناسيوس - الدفاع عن قانون نيقية)
8- لكي يمكث الإنسان إلى الأبد في الله.. ولكي يأخُذنا الله إلى داخل نفسه.
"هذه هي أسرار المشورة السمائيّة المُحدَّدة من قبل كون العالم: أن يصير ابن الله الوحيد بإرادته إنسانًا، وأن يمكث الإنسان إلى الأبد في الله. لذلك وُلِد الله، لكي يأخذنا إلى داخل نفسه."
(ق. هيلاري أسقف بواتييه - في الثالوث)
9- لكي يُقِيم جسدنا، ويفتدي صورته، ويُعِيد تشكيل الإنسان، لكي نصير واحدًا في المسيح.
"هذا هو مغزى السرّ الأعظم الحاصل من أجلنا، هذا هو ما يقصده الإله الذي تأنّس وافتقر لأجلنا: أن يُقيم جسدنا، ويفتدي صورته، ويُعِيد تشكيل الإنسان، لكي نصير واحدًا في المسيح."
(ق. غريغوريوس اللاهوتي - عظة 7)
10- لكي نغتني نحن أيضًا بالشركة معه بواسطة الروح القدس، فننال التبنّي.
"تجسُّد الكلمة لم يحدُث لأيّة غاية أخرى إلاّ لكي نغتني نحن أيضًا بالشركة معه بواسطة الروح القدس، فننال التبنّي."
(ق. كيرلّس الكبير - شرح تجسُّد الابن الوحيد)
11- لكي نغتني نحن أيضًا بالولادة التي من الله بالروح القدس.. فنُدعَى أولادًا لله بالنعمة.
"صار كلمة الله الآب مولودًا معنا بحسب الجسد، لكي نغتني نحن أيضًا بالولادة التي من الله بالروح القدس، فلا نُدعَى بعد أولادًا للجسد، بل نتحوّل بالحري إلى ما هو فوق الطبيعة، فنُدعَى أولادًا لله بالنعمة."
(ق. كيرلس الكبير - ضدّ نسطور 3)
12- لكي يجعل الذي هو عبدٌ بالطبيعة يرتقي إلى مجد التبنّي.. لكي نصير نحن أيضًا على مثاله، أي آلهة وأبناء.
"الكلمة ابن الله الوحيد قد صار مثلنا، لكي نصير نحن أيضًا على مثاله، بقدر ما أنّ هذا مُتاحٌ لطبيعتنا.. لبس صورة العبد، مع كونه بحسب الطبيعة هو الربّ وهو الابن، لكي يجعل الذي هو عبد بالطبيعة يرتقي إلى مجد التبنّي، كشبهه، وكأنّه يرتقي إليه. صار مثلنا إنسانًا، لكي نصير نحن أيضًا على مثاله، أي آلهة وأبناء. قد أخذ لنفسه خاصّةً ما هو لنا، وأعطانا في المقابل ما هو له."
(ق. كيرلّس الكبير - شرح إنجيل يوحنا 20: 17)
كلّ عام وأنتم في ملء نعمة البنوّة لله،،
القمص يوحنا نصيف