سحر الجعارة
إرتبط "عيد الميلاد المجيد" فى ذهنى بحضور السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي للقداس وكلماته التى تعانق فرحة قداسة البابا "تواضرس" الثانى، بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وهو المشهد الذى يعكس اللُحمة الوطنية ويرد للمسيحيين فى مصر اعتبارهم كمواطنين من الدرجة الأولى متساوين فى الحقوق والواجبات مع المسلمين، وليسوا «أقلية» مغضوبا عليها من تيار الإسلام السياسى الذى يطلق فتاوى مفخخة بدعاوى دفع الجزية ومنعهم من تولى المناصب القيادية العليا.. بينما كانت تكتفى أى قيادة سياسية أخرى بأن تراضيهم ببضعة مقاعد بالتعيين فى مجلس الشعب.

هذه هى قيمة مشاركة الرئيس "السيسى" فى قداس عيد الميلاد، والذهاب بنفسه إلى الكاتدرائية لتقديم التهنئة إلى البابا «تواضروس» والأقباط المصريين. إنه رئيس لكل المصريين، رجل لا ينوب عنه رئيس الديوان، لأن الصدق الذى فى صوته والحب الذى تنطق به نظرته لا ينتقل عبر وسيط مهما علا شأنه.
وتعيد حفاوة البابا "تواضرس" دائما إلى مخيلتى تلك الأيام السوداء التى إستهدفت فيها مليشيات الإخوان الكناس والقساوسة فى كل مكان ، حتى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لم تسلم من الإعتداء ، والذي يعد أول اعتداء في العصر الحديث على المقر البابوي لأقدم كنيسة في الشرق .

فلم تسلم الكاتدرائية من كرات اللهب، وقذائف الهمج من الإخوان!. الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» هو من قرر إنشاء كاتدرائية كبرى تليق بوضع مصر وكنيستها التى يتبعها الملايين من مسيحيى الشرق وهو من افتتحها.. ثم جاء الرئيس الراحل «أنور السادات» ليصلى بها بالتزامن مع صلاة البابا «شنودة» بها..

أما الرئيس «حسنى مبارك» فلم يزر الكاتدرائية إلا لأداء واجب العزاء!. ولو كان «مرسى» المعزول بيننا الآن لربما فجر نفسه بداخلها. كان لابد أن يأتى للبلاد رئيس يجعل للعيد معنى، حتى لو تم الاحتفال به تحت الحراسة المشددة!.

يرتبط عيد الميلاد أيضا فى وجدانى بـ "عظة الجبل" للسيد المسيح: ( طوبى للحزانى ، ﻷنهم يتعزون. طوبى للودعاء، ﻷنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش إلى البر، ﻷنهم يشبعون.

طوبى للرحماء، ﻷنهم يرحمون. طوبى للأنقياء القلب، ﻷنهم يعاينون الله. طوبى لصانعي السلام ) .وقد تم تبني الأفكار التي تضمنتها هذه العظة من قبل العديد من المفكرين الدينيين والأخلاقيين، مثل تولستوي وغاندي.

على الرغم من أن محتويات العظة في الغالب أقوال للسيد المسيح.هى حلوى «عيد الميلاد المجيد».. وكل عيد، أنت لا تحتاج فتوى لتحب أو تصلى أو تنجب أطفالاً أسوياء، لا تحتاج لفقيه يحرم أو يحلل لك قُبلة على جبين أمك أو ضمة لطفلك الصغير.. أو لتربت على كتف امرأتك.. وأنت تسعى فى الأرض محبا مسالما لا تحمل ضغينة ولا تسعى لإنتقام ولا تكره حتى من أذاك: (سمعت أنه قيل عين بعين وسن بسن.

وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا للشر، بل من لطمك على خذك الأيمن فحول له الآخر أيضا.

ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سألك فاعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده).. وبقدر ما تبدو هذ الوصايا "مثالية" إلا أنها جوهر كل الرسالات السماوية ، فهذه العظة إحدى وعشرين قضية تنظيمية تشكل لب الإنجيل والعهد الجديد، الشرّاح والمفسرين يرون في عظة الجبل لبًا لمواعظ المسيح جميعها، وقد يكون أعاد جزءًا منها في مواضع أخرى من بشارته خارج كفر ناحوم، وهي تشكل ثلاث فصول كاملة من إنجيل متى، وأهمّ ما فيها التطويبات والصلاة الربيّة.

(سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم . أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا ﻷجل الذين يسيئون إليكم ويطردوكم) .. ليس هناك فضل فى أن تحب من يحبك أو تحسن لمن أحسن إليك ، الفضل كله هو أن تكون "اليد العليا" فى العطاء و التسامح و أن تكون أنت نفسك رسالة حب تسير على الأرض تنشر الخير والجمال.

كل عام ونحن «أحبة» نعى جيداً أننا شعب واحد نعيش تحت علم واحد، نتقاسم كل شبر وكل حبة رمل وكل كنيسة أو مئذنة.. نمتلك -بحكم الدستور- إرادة مستقلة ورئيساً منتخباً ومجلساً تشريعياً وقضاء مستقلاً وفضاء إعلامياً واسعاً."دولة راسخة" على أرض صلبة، وتحت هذه العناوين بالقطع ستجد مساحة من الاتفاق والاختلاف.. مساحة الاختلاف هى جوهر شرعية الحكم والحكومة، فما دمت قادراً على التعبير عن نفسك، بعقيدتك وانتماءاتك، مؤمناً بأن النظام يستمد قوته من صلابة قاعدته الجماهيرية، وأن سعيك لمزيد من الحريات وتكريس مدنية الدولة سعى شرعى وصحى ومطلوب
نقلا عن الوطن