ياسر أيوب
هذا أحد الكتب التى يمكن قراءتها أكثر من مرة لأنه من الكتب الجميلة التى تطرح أسئلة أكثر مما تقدم إجابات.. وبالتالى تصبح أوراقها دعاوى ملحة وصاخبة للتفكير والتأمل واستعادة حكاياتها من جديد.. فلم يكتب محمود العدوى مجرد تاريخ لكرة القدم الإفريقية وسرد تقليدى لبطولاتها ونجومها.. لكنه فى كتابه بعنوان أحدى عشرة قدما سوداء قرر محمود واستطاع أن يمزج هذا التاريخ بالناس وحياتهم وثوراتهم ومعاناتهم وأحلامهم.
كأنه قام بتفكيك التاريخ الإنسانى والسياسى والاجتماعى والثقافى لإفريقيا، وأعاد تجميعه فوق أوراقه مرة أخرى مستعينا بكرة القدم.. وأعود الآن من جديد لهذا الكتاب قبل أيام قليلة من بدء البطولة الإفريقية الكبرى فى كوت ديفوار.. ومع العودة شكر وامتنان لمحمود لأنه أولا أعاد قراءة التاريخ الكروى الإفريقى كشاعر وروائى، وبحكم دراساته العليا لعلم الاجتماع وخبراته العملية فى البحث وتوثيق المعلومات.
والشكر أيضا لأن محمود بهذا الكتاب كان كأنه بالنيابة عن مصريين كثيرين يعتذر للكرة الإفريقية التى تجاهلناها كثيرا وطويلا، وتعاملنا معها كمجرد أندية ومنتخبات وبطولات ومباريات.. وبقينا طول الوقت ننظر بشغف واهتمام، وأحيانا انبهار، بالشمال الكروى دون أن نرى الجنوب يستحق بعض هذا الاهتمام رغم ما فى هذا الجنوب من حكايات كروية إنسانية شديدة العمق والجمال.
وقام محمود بما سبقه إليه كثيرون حاولوا إعادة كتابة التاريخ الكروى الإفريقى من جديد مثل إيان هوكى وكتابه بعنوان أقدام الحرباء عن تاريخ الكرة فى إفريقيا.. وريتشارد جوليانوتى وجارى أرمسترونج وكتابهما بعنوان كرة القدم فى إفريقيا ـ الصراع والتسوية والمجتمع.. وبول داربى وكتابه بعنوان إفريقيا وكرة القدم والفيفا ـ السياسة والاستعمار والمقاومة.
لكن يبقى أهم وأجمل هذه الكتب وهو كتاب إفريقيا المتحدةـ كيف يمكن لكرة القدم تفسير إفريقيا، الذى ألفه ستيف بلومفيلد، بعد أن زار 30 دولة إفريقية ليعرف كيف منحت كرة القدم الأمل للأفارقة والقدرة على الاستمرار حتى فى أشد أوقاتهم يأسا ومعاناة وكيف أصبحت اختصارا لإفريقيا نفسها.. ومن كتاب ستيف بلومفيلد لكتاب محمود العدوى كانت هناك الحكايات التى يمكن أن تلازمنا طيلة ثلاثين يوما سيعيش فيها الأفارقة وآخرون كثيرون فى العالم حولنا حكايات بطولة الأمم الإفريقية الرابعة والثلاثين.
وكيف اقتسمت كرة القدم مع الأفارقة عبر أكثر من مائة عام ثوراتهم وثمن استقلالهم وفرحة انتصاراتهم وكبرياء قارة كانت وربما لاتزال منسية ومجهولة ومظلومة لم ينصفها غالبا إلا نجاحات أولادها فى ملاعب أوروبا التى اضطرت للتنازل قليلا عن غرورها وتعاليها لتمنح إفريقيا وأهلها بعض ما تستحقه من اهتمام واحترام.. ولهذا كانت حكاية إفريقيا بشهادة أوروبيين وأمريكيين كثيرين هى أجمل حكايات كرة القدم فى العالم.
نقلا عن المصرى اليوم