حمدي رزق
«أجْمل ما فِى الإجَازة ليسَ أن تريحَ نفسك، بلْ أن ترَى الآخرِين يعملُون». وكأن الروائى الإنجليزى «كينيث جراهام» يقرأ أفكارنا، لقد برع جراهام فى الكتابة للأطفال، والعنوان أعلاه من أغانى الأطفال!.
مع تباشير العام الجديد، تبارت الصحف والمواقع الإخبارية فى إحصاء أيام الإجازات، زفت «المصرى اليوم» خبرا سعيدا، عشرة أيام إجازات خلال شهر يناير، ودخل موقع «القاهرة ٢٤» المزاد بـ ١٣ يوما إجازة خلال السنة الجديدة (إضافة إلى الإجازات الاعتيادية، الجمعة والسبت من كل أسبوع).
حاصل جمع الإجازات فى العام الجديد يجاوز المائة يوم، ثلث السنة الجديدة تقريبا إجازات، رقم يجاوز الخيال، رقم لا يتسق مع الحال والأحوال، رقم يصعب معه تحقيق إنجاز يقرب إلى الإعجاز.
مائة يوم إجازة رسمية، ونحن فى أمس الحاجة لكل يوم عمل، ولكل ذرة عرق، وفى سباق مع الزمان ننفق وقتا نحسب فيه الإجازات، ونخطط لها قعودا، ونمضى أيام العمل ثقيلة انتظارا للإجازة.
إذا لم تكن هناك إجازة رسمية، لا تقلق، قانون العمل كريم، فيه فسحة للقاعدين على قلبها، تشكيلة إجازات، عارضة ومرضية وفى مجمع الإجازات السنوية ما يكفى ويزيد.
فى مجتمع يترجى الله فى يوم عمل، لا تعجب، الهيئات والمؤسسات (عام وخاص) تجبر موظفيها على استنفاد رصيدهم من الإجازات سنويا حتى لا تدفع لهم البدلات، والموظف المجتهد المجد الراغب فى العمل لا يملك سوى الرضوخ لمشيئة المؤسسة ويخرج إلى إجازة تحت إلحاح، وإلا ضاعت عليه الإجازة أو مقابلها.
مجتمع ينشد حياة كريمة وهو يتمطى فى سريره، مجتمع فى إجازة، المجتمعات النامية أو التى تنشد تنمية، تصل الليل بالنهار فى عمل شاق، المجتمعات الطامحة الطموح تستمتع بالعمل، والإنتاج، وتغبطها أرقام الناتج القومى، ونسب النمو، ونحن اتوقف نمونا بدرى من القعود المفرط عن الواجب!!.
حتى الحكومة تتبع سياسة تحريك الإجازات من وسط الأسبوع وتجميعها فى نهايته، تهيئ الأجواء لإجازات طويلة مجمعة، جملة وقطاعى، حتى يريح الشقيانين جنوبهم.. كتر خير الحكومة لا تنام إلا بعد أن ينام موظفوها ملء الجفون.
الإجازات لا هى عيب ولا حرام، لكن بالعقل، بالمعقول، تخيل شهر يناير ٣١ يوما، منها ١٠ أيام إجازة، لا تسل عن بقية شهور العام، تقريبا من إجازة إلى إجازة، وإجازة تسلم إجازة.
أخبار الإجازات من الأخبار الشهية، تفتح النفس، تحقق معدلات من القراءات تجاوز أخبار العلاوات، هل هناك علاقة بين الإجازات والعلاوات، علاقة عكسية، لكننا نبدع فى افتكاس المعادلات.
تجديد الخطاب الحكومى، أظنه مصطلحا جديدا، الخطاب الحكومى الذى يخاطب موظفيه بروزنامة إجازات سنوية، ويقدس أجندة الأعياد الوطنية والدينية، لا يقبل بها مساسا، خطاب يفتقد إلى روح العمل، إلى المحفزات الإنتاجية، ويسيد الإجازات توفيرا للنفقات، يخفف الأحمال ترشيدا، مثل هذا الخطاب يعود علينا بالخسارة المحققة.
نقلا عن المصرى اليوم