خالد منتصر
كتاب جذبنى عنوانه واسم كاتبته، فالعنوان فيه ظلال من سيرة ذاتية وأنا أعشق السير الذاتية عندما تكتب بحبر الصدق، والكاتبة هى سلمى قاسم جودة من بيت علم وصحافة وثقافة وترجمة، فوالدها هو الصحفى الكبير أحمد قاسم جودة الذى أورثها هذا الشغف بالثقافة والأدب والكتابة، الكتاب جولة فى حديقة الإبداع المحلى والعالمى، والكاتبة تتميز فضلاً عن رشاقة الأسلوب
، باللقطة، فلقطاتها ذكية ومدهشة وخارج السرب، وتتميز أيضاً بانحيازها لمن تحب بغض النظر عن الرأى النقدى المسيطر أو السائد الذى من الممكن أن يعرضها لهجوم، فهى مثلاً تنحاز ليوسف السباعى الذى طرده النقد اليسارى - الذى كان مسيطراً فى الستينات - من جنة التميز الروائى، بحجة أنه سلطوى ويكتب الأدب الرومانسى.. إلخ، ولكنها تدافع بأن من كتب «السقا مات» و«نائب عزرائيل» هو روائى له قدم راسخة وجذور إبداعية متميزة، وكذلك إحسان عبدالقدوس الذى اتهموه أيضاً بأنه صاحب الأدب المخملى الذى يكتب عن الأندية الأرستقراطية ولا يكتب عن العامل الفقير أو الفلاح الغلبان،
تلك الاتهامات الجاهزة المقولبة، هى تقرأ لإحسان بعين محايدة استطاعت أن تنفذ إلى أغواره العميقة، ولكنها ليست منحازة ليمين أو يسار فهى تكتب فقط من منطلق تذوق الإبداع الحقيقى، لذلك تكتب عن روائى يسارى عظيم مثل صنع الله إبراهيم وتشرح رواياته بكل دقة وبكل حب أيضاً، وتقدم عرضاً لعدة روايات لأشرف العشماوى منها «زمن الضباع وبيت القبطية والبارمان»، أما الفصول التى ناقشت فيها أدب نجيب محفوظ فهى قد كتبتها بمنتهى الإبداع،
مما يجعلنى أناشدها بأن يكون كتابها القادم عن أدب نجيب محفوظ فقط، فقد وصلت إلى داخل منجم محفوظ الروائى واستخرجت لنا من كنوزه الدرر والجواهر، فهو بالفعل كما وصفته سلمى بداية بلا نهاية، رومانسية سلمى جودة فى كتابتها ليست رومانسية محلقة فى الفراغ ولكنها رومانسية تجعلنا نلمس نبض الحياة حتى عندما تتكلم عن غرام من هى فى السبعين عند ماركيز، تتكلم بود واحتواء، وعندما تحكى لنا عن فيرونيكا لباولو كويلو تجعلنا نلمس ونجس لحم الشخصية، وجرأتها فى طرح ما هو عكس التيار لافتة للانتباه، فهى تعلن فى الكتاب عن انحيازها وعشقها لفن الرقص الشرقى وتذكر الراقصة ناهد صبرى وغيرها من راقصات ذلك الزمن غير عابئة من نقد التيار الرجعى المتخلف اللاذع، فهى تكتب عمن تحب ولا يهمها مغازلة الشارع، سلمى تكتب فى هذا الكتاب عن المؤسسين وحراس الإبداع الحقيقى والتنويريين الذين دفعوا من حياتهم واستقرارهم لكى ينيروا عقولنا وعلى رأسهم طه حسين.
نقلا عن الوطن