كتب - محرر الاقباط متحدون 

يقول الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس، لا يشير الكتاب المقدس إلى الكثير من الأحداث في الزمن الممتد بين دخول المسيح إلى الهيكل (طفولته) ومعموديته (بلوغه الثلاثون عامًا). ما نعرفه هو اللجوء إلى مصر والعودة منها، كما حضور المسيح إلى الهيكل في سنّ الثانية عشرة. هذا لم يكن من دون سبب، فالأناجيل لم تُكتَب لتصف كامل تاريخ المسيح بل لتقدّم تجسّد ابن لله وكلمته وتعليمه وما تحمَّله من آلام من أجل الجنس البشري. الأناجيل كانت بالأساس أدوات مساعدة تعليمية. لهذا لم يكن من حاجة للإشارة إلى الأحداث التاريخية في حياة المسيح ولا لسني طفولته. ظهوره في الهيكل وَرَد في الإنجيل لأنه كان علامة مبكرة على كونه ابن الله.
 
لا يعني غياب أحداث طفولة المسيح ومراهقته أنّه كان غائباً عن اليهودية. عاش المسيح إلى جانب أمه ومربّيه يوسف "وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا" (لوقا 51:2). يُظهر عدد من المقاطع الأنجيلية أن المسيح كان معروفاً عند أبناء بلده، وأنّ ما فاجأهم هو حكمته. من هذه المقاطع ثلاث مميزة تحمل هذه الحقيقة:
المقطع الأول، مأخوذ من إنجيل يوحنا ويذكر أنّه فيما كان المسيح يعلّم في الهيكل، "َتَعَجَّبَ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «كَيْفَ هذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟»" (يوحنا 15:7). واضح من النص أن اليهود كانوا يعرفون أن المسيح لم يتعلّم في المدارس اللاهوتية اليهودية المعروفة جيداً في ذلك الحين.
المقطع الثاني، يرد في إنجيل متى ويشير مجدداً إلى ذهول أبناء بلده عندما كان يعلّم في المجمع، إذ "َقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ. أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ. أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا. أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا. فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا" (متى 54:13-56). إذاً، كان المسيح معروفاً جيداً من أبناء بلده وبخاصة الجوار الذي تربّى فيه، والذي تألّف من أمه مريم ومربيه يوسف وإخوته، الذين كانوا من زواج سابق ليوسف. 
المقطع الثالث، يرد في إنجيل مرقس "وَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ، ابْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ. وَكَثِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بُهِتُوا قَائِلِينَ: مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ. وَمَا هذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ قُوَّاتٌ مِثْلُ هذِهِ. أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَأَخُو يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ. أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ ههُنَا عِنْدَنَا" (مرقص 2:6-3)، وهو ويوازي المقطع السابق مع فارق أن المسيح يوصَف شخصياً بالنجّار، ما يعني أنّه كان معروفاً أيضاً بصنعته. 
يظهر من هذه المقاطع أن المسيح، في عمر الثلاثين، كان معروفاً عند أبنا بلده وأنّه عاش في منطقة محددة مع إخوته من أولاد مربيه يوسف، وأن الجميع كانوا يتعجبون من حكمته والعلامات التي قام بها. وبالتأكيد، عندما ينذهل أحد ما لأحد الأمور، يظهِر معرفته بوجود الأمر أو جهله لهذا الوجود في آن معاً.
 
الحدث الذي نعرف عنه أكثر من غيره من أحداث فتوة المسيح هو حضوره إلى الهيكل ومحادثته مع المعلمين، وقد كان يستمع للمعلمين طارحاً عليهم أسئلة. بالواقع، كما يذكر القديس الإنجيلي "وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ" (لوقا 47:2). من دون الدخول في تفاصيل هذا الحدث، يمكننا التوقف عند مقطعين ذي دلالة يتعلقان بحياة المسيح، لارتباطهما بتجسّد المسيح: 
المقطع الأول، يأتي بعد حدث دخول المسيح إلى الهيكل في عمر الأربعين يوماً: "وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ." (لوقا 40:2). 
المقطع الثاني، يأتي بعد حدث الهيكل وكان المسيح قد بلغ الثانية عشرة: "وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ." (لوقا 52:2).
 
ليس من مشكلة حول عمر المسيح ونموه الجسدي. هذا جرى بالطريقة الطبيعية كما لكل البشر لكونه إنساناً كاملاً في الوقت نفسه. تكمن المشكلة في "مُمْتَلِئًا حِكْمَةً" و"يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ"، من جهة أن طبيعته البشرية تألّهت عند اتحادها بأقنوم الكلمة في رحم والدة الإله القديسة. الهرطوقي نسطوريوس قال: "أن العذراء ولدت مجرّد إنسان تلقّى مع الوقت نعمة الله". هذا أدانته الكنيسة لأن الطبيعة البشرية تألّهت مباشرة عند اتحادها بأقنوم الكلمة. "يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ" تعني، بحسب القديس يوحنا الدمشقي: "أن المسيح مع تقدمه في العمر، كان يُظهر الحكمة التي كانت فيه". لقد كانت الحكمة في المسيح بقوة الاتحاد الأقنومي للطبيعتين الإلهية والبشرية، لكن هذه الحكمة كانت تُظهَر بحسب عمره.
 
طوّر القديس ثيوفيلاكتوس هذه الأطروحة تحليلياً وهو في تفاسيره يتبع الآباء القديسين، خاصةً القديس يوحنا الذهبي الفم. فهو يقول: "أن المسيح، وهو في رحم أمه، بلغ ملء قامة الكائن البشري، لكن هذا قد يبدو كالخيال". لهذا كان يتقدّم تدريجياً مثل كل الأولاد. حكمة كلمة الله ظهرت إلى جانب قامته الجسدية. لم يصر المسيح حكيماً بسبب العمل المضني «بل تدريجياً أظهر حكمته المتأصّلة بحسب عمره الجسدي». لو كان أظهر كل حكمته منذ الصغر، لكان بدا غريباً. لم يزداد المسيح بالحكمة مع تطوره الجسدي، بل هو كشف وأظهر للبشر الحكمةَ التي فيه أصلاً.
 
لا يوجد ما يساوي هذا الأمر في الحالات البشرية لكننا سوف نأخذ مثالاً تنازلياً. عند الولادة، يكون للطفل عدد من "المواهب" الفطرية التي لا تظهر جميعاً في ذلك الوقت. يمكننا أن ندرك بعضها بشكل أو بآخر لكنها تظهر مع تطوره الجسدي والعقلي. هذا الولد يمكن أن يكون حكيماً بالإمكانية لكن عندما ينمو يصير حكيماً بالفعل. كما يمكن أن يكتسب مواهب فنية لكنه يعبّر عنها بحسب عمره. يمكن أن نلاحظ الأمر نفسه في المسيح مع فارق وجوب استبدال "المواهب" بـ"الألوهية". المسيح كان إنساناً كاملاً وإلهاً كاملاً. الطبيعة البشرية التي اتّخذها تألّهت منذ أولى لحظات الحمل، لكن حكمة كلمة الله ظهرت مع النمو في قامته الجسدية. ولم يكتسب مع الوقت نعمة الله، كما قال الهرطوقي نسطوريوس.