محرر الأقباط متحدون
كانت رسالة الجامعات الكاثوليكية وهويتها محور كلمة للبابا فرنسيس وجهها إلى وفد من الاتحاد الدولي للجامعات الكاثوليكية استقبله اليوم في القصر الرسولي.
استقبل البابا فرنسيس اليوم الجمعة وفدا من الاتحاد الدولي للجامعات الكاثوليكية والذي يحتفل بالذكرى المئوية الأولى لتأسيسه. ورحب الأب الأقدس في بداية اللقاء بالجميع مشيرا إلى أنه سيسلِّمهم الكلمة التي أعدها لهذه المناسبة، وشكر الجامعات على ما تقوم به من رسالة مشجعا على مواصلة القيام بها. وأضاف البابا أن ليس الدين وحده ما يشكل هوية الجامعات الكاثوليكية بل وأيضا ما وصفه قداسته بأنسنة توضح أن للإنسان قيما يحب احترامها.
وفي كلمته المكتوبة عاد قداسة البابا إلى تأسيس الاتحاد مذكرا بمباركة البابا بيوس الحادي عشر مئة سنة مضت لرابطة من ١٨ جامعة كاثوليكية، وذلك تحديدا في سنة ١٩٢٤. كما وذكَّر بمرسوم صدر سنة ١٩٤٨عن المجمع السابق للإكليريكيات والجامعات تحدث عن أن تلك الرابطة قد تأسست كي يتعاون رؤساء الجامعات بشكل أكبر في مواجهة المواضيع المختلفة ومن أجل تعزيز متقاسَم لهدفها الأسمى. ثم عاد قداسته إلى تأسيس البابا بيوس الثاني عشر اتحاد الجامعات الكاثوليكية بعد خمسة وعشرين عاما.
وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى أن هذه الجذور تُبرز عاملَين يريد تسليط الضوء عليهما، وتحدث قداسته أولا عن الحث على العمل في شبكة. وقال في هذا السياق إن هناك اليوم في العالم حوالي ألفَي جامعة كاثوليكية، وأضاف: فلنتخيل القدرات التي يمكن أن يطورها تعاون أكثر كفاءة وفعالية من خلال تعزيز المنظومة الجامعية الكاثوليكية. وتابع قداسته أن علينا، في زمن يطبعه التفكك، التحلي بشجاعة السير في الاتجاه المعاكس، وذلك من أجل عولمة الرجاء والوحدة والوفاق بدلا من اللامبالاة والاستقطاب والنزاعات.
أما العامل الثاني الذي أراد الأب الأقدس التشديد عليه فهو أن الاتحاد قد تأسس، وكما كتب البابا بيوس الثاني عشر، "عقب أكثر الحروب بشاعة"، وذلك كأداة تقود إلى المصالحة والتكوين على السلام والمحبة بين البشر. وواصل البابا فرنسيس أننا ومع الأسف نحتفل بهذه الذكرى المئوية الأولى بينما تدور حرب عالمية ثالثة مجزأة، ومن الضروري بالتالي أن تكون الجامعات الكاثوليكية رائدة في بناء ثقافة السلام.
تحدث قداسة البابا بعد ذلك عن الدستور الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني Ex corde Ecclesiae حول الجامعات الكاثوليكية والذي ذكر فيه البابا القديس أن الجامعات الكاثوليكية تولد من قلب الكنيسة. وتابع البابا فرنسيس أنه ربما كان أكثر توقعا أن يكتب البابا يوحنا بولس الثاني أن الجامعات تنشأ عن الفكر المسيحي إلا أنه أراد منح الأولوية للقلب. وذكَّر الأب الأقدس من جهة أخرى بما جاء في تلك الوثيقة عن كون الجامعات الكاثوليكية إحدى أفضل الأدوات التي تقدمها الكنيسة في زمننا، ولا يمكنها إلا أن تكون تعبيرا عن المحبة التي تحرك كل أفعال الكنيسة، أي محبة الله للشخص البشري.
هذا وأراد البابا فرنسيس لفت الأنظار إلى أن مؤسسات الكنيسة يجب أن تؤكد طبيعتها المختلفة وانطلاقها من منطق مختلف، وذلك في زمن أصبحت فيه حتى الجامعات مكانا للاستثمار المالي وكأنها بورصة. وواصل قداسته أن المشاريع التربوية لا تقوم فقط على برامج جيدة وتوفُّر ملائم للوسائل أو الإدارة الجيدة، بل على الجامعة أن تنبض بشغف أكبر من هذا وأن يُلمس فيها بحث مشترك عن الحقيقة والمعنى، وذلك في جماعة معرفة يمكن فيها أن نلمس باليد سخاء المحبة. ودعا البابا فرنسيس في هذا السياق ضيوفه إلى الحفاظ على الشغف الأصلي مشددا على أنه لا يكفي منح شهادات أكاديمية، بل يجب على الجامعات الكاثوليكية أن تحْيي وتحرس لدى كل شخص الرغبة في أن يكون، وأن تحفز على اكتشاف الدعوات الخصبة.
ومن بين ما تطرق إليه قداسة البابا الذكاء الاصطناعي مضيفا أنه يجب التفكير أيضا في الذكاء الروحي والذي بدونه يظل الإنسان غريبا عن ذاته. وحذر البابا فرنسيس ضيوفه من الاستسلام للخوف في إدارة الجامعات، ما يعني الانغلاق على الذات في قوقعة اجتماعية وتفادي المخاطر والتحديات الثقافية. وقال قداسته إن الخوف يلتهم النفس محذرا من حبس الجامعات خلف أسوار من الخوف ومن محاكاة الأسوار التقليدية للمجتمع مثل اللامساواة والتشدد واللامبالاة ونزع الإنسانية.
وفي ختام كلمته أشار قداسة البابا إلى ضرورة التساؤل حول فائدة معرفتنا وفي خدمة ماذا ومن نعمل. ثم طلب البابا فرنسيس من ضيوفه ممثلي الجامعات أن يساعدوا الكنيسة في هذه اللحظة التاريخية على إنارة أعمق التطلعات البشرية بواسطة تقديم دليل عما أنتم عليه من رجاء مثلما ذكر القديس بطرس في رسالته الأولى، وعلى أن تترجم ثقافيا ثراء الإلهام المسيحي وذلك من خلال لغة منفتحة على الأجيال الجديدة والأزمنة الحديثة.