محرر الاقباط متحدون
كانت العدالة العالمية اللازمة في مجال الأبحاث العلمية والطبية محور رسالة وجهها البابا فرنسيس إلى المشاركين في مؤتمر حول إعادة النظر في إعلان هلسنكي نظمته في الفاتيكان الرابطة الطبية العالمية بالتعاون مع الجمعية الطبية الأمريكية والجامعة الحبرية للحياة.
نظمت الرابطة الطبية العالمية بالتعاون مع الجمعية الطبية الأمريكية والجامعة الحبرية للحياة مؤتمرا في الفاتيكان يومي ١٨ و١٩ كانون الثاني يناير الجاري يتمحور حول التعاون العالمي في مجال البحث الطبي الأخلاقي والتجريب في الأطر فقيرة الموارد. وتنطلق أعمال المؤتمر من إعادة النظر في إعلان هلسنكي الذي صدر عام ١٩٦٤عن الجمعية العامة للرابطة الطبية العالمية والذي يضع الخطوط التوجيهية الأساسية من وجهة النظر الأخلاقية للتجارب البشرية في القطاع الطبي. وفي سنة ٢٠٢٢ ونظرا للتطورات التي طرأت في هذا المجال شكلت الرابطة مجموعة عمل لإطلاق عملية إعادة نظر في هذا الإعلان. ولمناسبة هذا المؤتمر وجه البابا فرنسيس رسالة إلى المشاركين فيه بدأها بتوجيه التحية إلى الجميع، ثم تحدث عن أهمية الموضوع الذي اختير محور هذه المبادرة، وذلك انطلاقا من أن إعلان هلسنكي ذاته يشدد على موضوع أساسي ألا وهو الحرية والموافقة القائمة على المعرفة فيما يتعلق بالبحث العلمي. وواصل الأب الأقدس مشيرا إلى ما شهدنا عبر السنوات من تأثير لهذا الموضوع على التطبيقات الطبية بشكل عام.
وعن هذا الإعلان قال البابا فرنسيس في رسالته إنه ومنذ البداية، أي منذ عام ١٩٦٤، وأيضا من خلال ما شهد من تحديث، قد قدم إسهاما أساسيا من أجل الانتقال من أبحاث على المرضى إلى أبحاث مع المرضى. وأضاف البابا أننا نعرف كم كان هذا التحول هاما بالنسبة لمجال الطب، وذلك في تعزيز تناغم جديد في العلاقة بين الطبيب والمريض. ، إلا أنه وبينما يظهر بوضوح عدم التناغم في العلاقة فيما يتعلق بالعلاج، لم يصبح الدور المركزي الذي يُفترض أن يكون للمريض واقعا بعد، قال الاب الأقدس. وشدد البابا في هذا السياق على ضرورة توفير حماية متواصلة لهذا الدور وتعزيزه في الأطر الجديدة التي يعمل فيها الطب والتي تتطور بشكل متسارع، والتي تشمل الموارد التقنية والدوائية الجديدة وأيضا مصالح اقتصادية وتحالفات تجارية، هذا إلى جانب وجود أطر ثقافية يَسهل فيها استغلال الآخرين من أجل مصالح ذاتية.
ثم توقف قداسة البابا عند كون البحث العلمي في الدول منخفضة المداخيل مجالا يتأثر بشكل خاص بهذا الضعف، وبالتالي فإن المخاوف حول هذا الأمر تشكل عاملا مميزا للحماية التي علينا توفيرها دائما في كل جوانب الحياة للأشخاص الأكثر عرضة للخطر في مجتمعاتنا. وواصل البابا متحدثا عن ظلم على الصعيد الدولي يضع الدول الفقيرة في أوضاع أسوأ فيما يتعلق بتوفر واستخدام الموارد، ما يجعل هذه الدول معتمدة على الدول الأغنى وعلى الشركات الصناعية التي تبدو غير مكترثة بالأكثر فقرا حتى وإن كانت على المحك احتياجات وحقوق أساسية. وأضاف الأب الأقدس أن هذا ينطبق أيضا على التقنيات ومن بينها الذكاء الاصطناعي، وشدد على ضرورة تفادي أن تشمل اللامساواة الخدمات الطبية والأبحاث السريرية. لا يمكننا أن ندع العلاج خاضعا لمنطق السوق والتكنولوجيا، قال قداسته، وأعرب بالتالي عن سعادته لتأمل المشاركين في المؤتمر في هذا الأمر وذلك لا فقط على الصعيد النظري بل وأيضا من أجل التوصل إلى حلول ملموسة. وشدد البابا على ضرورة التوصل إلى توازن بين إمكانية البحث وخير المريض، أي أن تُوزَّع بشكل عادل النفقات التي تحتاجها الأبحاث والنتائج التي تثمر عنها هذه الأبحاث.
هذا وأراد البابا فرنسيس لفنت الأنظار إلى أن احترام حرية الجماعات المختلفة يعني أيضا احترام اختلاف حساسياتها الثقافية التي لا يجوز إيذاؤها من خلال نماذج معرفة وتطبيق اجتماعية لا تعتبرها الجماعات مقبولة بالنسبة لها. وتحدث الأب الأقدس بالتالي عن تحدٍ يطرح تساؤلات حول عدالة عالمية في مجال الخدمات الطبية، وعاد إلى خبرة الجائحة التي كشفت لنا أهمية توفُّر أشكال من الحوكمة تتجاوز تلك التي لدى الدول المنفردة. ولهذا، واصل قداسة البابا، يجب تعزيز لدى الجماعة الدولية أسلوب تفكير يخدم بشكل فعال العائلة البشرية، وذلك من خلال الانتقال إلى منظور صداقة اجتماعية وأخوّة عالميتين.
وفي ختام رسالته إلى المشاركين في المؤتمر أعرب البابا فرنسيس عن أفضل تمنياته لهم ولعملهم ثم استمطر على الجميع وافر بركات الله كلي القدرة.