ياسر أيوب
جميل أن ينتصر من سبق واعتاد أن ينتصر، لكن الأجمل هو فرحة من طال انتظاره حتى يحقق انتصاره الأول.. ولم يكن الفوز على تونس تحديدا هو سبب الفرحة الهائلة التى عاشتها ناميبيا وأهلها طيلة اليومين الماضيين.. فقد كان أول انتصار لمنتخب ناميبيا فى أمم إفريقيا الذى شارك من قبل فى ثلاث دورات لهذه البطولة ولعب خلالها تسع مباريات دون أى انتصار.. وجاء الانتصار أخيرا ومعه الفرحة التى دائما يحتاجها الناس فى ناميبيا الساكنة ساحل المحيط الأطلنطى فى أقصى جنوب القارة محاصرة بجنوب إفريقيا وبوتسوانا وزامبيا وأنجولا.. والمسكونة بتاريخ طويل من الألم والحزن والموت قبل أن تنال حريتها واستقلالها 1990.. فقد عانت ناميبيا من مطامع أوروبية برتغالية وسويدية وفنلندية وإنجليزية قبل أن تصبح فى 1884 مستعمرة ألمانية حملت اسم جنوب غرب إفريقيا الألمانية.. وحين بدأ سكان ناميبيا فى 1904 مقاومة الألمان وسلاحهم دفاعا عن بلدهم وحريتهم.
ارتكب الجنود الألمان أولى مذابح ومآسى القرن العشرين حين قتلوا أكثر من سبعين ألفا من سكان ناميبيا.. وبعد رحيل الألمان عقب خسارتهم الحرب العالمية الأولى كان احتلال جنوب إفريقيا لناميبيا التى نالت استقلالها بعد حروب طويلة وضحايا كثيرين أيضا.. ولم تكن الجروح والدماء التى سالت طيلة مائة سنة هى المعاناة الوحيدة لأهل ناميبيا، إنما كانت معاناة الجغرافيا أيضا.. فناميبيا أكثر البلدان جنوب الصحراء الإفريقية جفافا وأقلها استقبالا للأمطار.. ومثل معظم بلدان إفريقيا.. كانت كرة القدم فى ناميبيا العزاء الوحيد غالبا والبديل المتاح لأى فرحة غائبة وحقوق ضائعة.. وبعد استقلالها فى 1990 أسست ناميبيا اتحادها الكروى ومنتخبها أيضا الذى أصبح رمزا للبلاد رغم أنه لم يكن من المنتخبات القوية القادرة على صناعة تاريخ حافل ببطولات وانتصارت.. وأكبر خسارة لهذا المنتخب كانت فى 1996 بسبعة أهداف أمام مصر.
وبعد سنتين نجح منتخب ناميبيا فى التأهل لنهائيات أمم إفريقيا لأول مرة وخرج من الدور الأول دون تحقيق أى فوز.. وتكرر هذا الأمر فى نهائيات 2008 و2019.. وجاءت نهائيات 2024 فى كوت ديفوار لتفوز ناميبيا وتفرح كرويا لأول مرة.. ويعرف أهل ناميبيا قبل غيرهم أنها فرحة لن تدوم وأن الفرحة المؤقتة والعبرة هى دائما قدرهم وواقعهم.. فأول بطل لهم كان العداء فرانك فرديريكس الذى فاز بأربع ميداليات أوليمبية فى سباقى 100 و200 متر وأصبح بعد اعتزاله عضوا باللجنة الأوليمبية الدولية ثم اضطر للابتعاد بعد واقعة فساد.. والميدالية الخامسة لناميبيا كانت فى دورة طوكيو الماضية للعداءة كريستين مبوما التى ثبت أن نسبة هرمون التيستيرون فى دمائها أعلى من المسموح بها أوليمبيا وعالميا.
نقلا عن المصري اليوم