محمود العلايلي
يعتقد الكثيرون أن العملية الانتخابية هى المرادف العملى لكلمة «الديمقراطية»، وللأسف أن هناك مَن يحاول فى الوقت نفسه الإيهام بذلك، سواء عن طريق وسائل الإعلام ومنصات التواصل، لكن الأدهى هو الاقتناع بتطبيق ذلك عمليًّا على أرضية الفعاليات الانتخابية المختلفة، وهو ما لا يمكن تجاوزه لنجد أنفسنا مجبرين على إضفاء بعض التوضيح والدخول لجلاء بعض التفاصيل لأن العملية الانتخابية لا يمكن انتزاعها من السياق السياسى العام، الذى يُفترض أن يسير على نهج ديمقراطى مفهوم، حيث إن كل الممارسات التى تؤدى إلى الوصول إلى العملية الانتخابية وجب أن توضع على طاولة التقييم والحساب، من حيث تكافؤ الفرص لدى الأحزاب المختلفة فى التمويل المادى، وحرية التعبير، والقدرة على الوصول إلى القواعد الشعبية والتفاعل معها، بالإضافة إلى ما هو أهم، وهو إعطاء الفرص المتساوية لجميع الأحزاب والمستقلين فى العملية الانتخابية، التى يجب إعطاء الفرصة لجميع أطراف العملية للرقابة على كل خطواتها، والتأكد من سلامتها، بداية من الدعاية، مرورًا بالتصويت، نهاية بالفرز وإحصاء الأصوات.
والحقيقة أن هذا ما يدفعنا إلى التأكيد أن عبارة العملية الانتخابية لا يمكن إطلاقها مجردة، ولكن يجب إلحاق وصف «النزيهة» لتكون جزءًا من العملية الديمقراطية كما يجب أن تكون عليها لتكون نتائجها معبرة بحق عن اختيار الناخبين، بغض النظر عن سلامة الاختيار من عدمه، أو كفاءة الناجحين أو افتقارهم لمهارات السياسة وآلياتها.
إنه بنهاية العملية الانتخابية لا يمكننا القول بانتهاء العملية الديمقراطية، بل هى البوابة لبدء الممارسة الديمقراطية بين المنتخبين عن طريق المواطنين، وهى الآلية التى لا يمكن فصلها عن الخطوات السابقة عليها، ولكن يزيد عليها هنا أن السلطة الحاكمة تصبح طرفًا فى العملية الديمقراطية بشكل تلقائى لأنه بعد الاتفاق الطوعى بقبول نتائج الانتخابات، يبدأ التعامل مع الأفراد والقوى السياسية الممثلة للمواطنين من باب السماح لهم بالمساءلة والاقتراح والمحاسبة ورسم السياسات وإقرارها بدينامية متفق عليها ومقبولة من كافة الأطراف الموجودة على تلك الأرضية المشتركة.
إن ما يميز الطرف الذى يمثل السلطة فى الآلية الديمقراطية هو أن الأمور تسير بحسب نظام دقيق ومتدرج فيما يتعلق بالمحاسبة على كافة الأصعدة، سواء على التصرفات الشخصية والاجتماعية، أو على صعيد القرارات الاقتصادية والسياسية، فكل ذلك يحده فى البداية الوازع الأخلاقى للسياسى وما يُمليه ضميره عليه من محددات أخلاقية، ثم تأتى بعد ذلك المسؤولية السياسية أمام الناخبين ودافعى الضرائب سواء الذين انتخبوه أم لا، وأمام ممثلى الشعب فى البرلمان، نهاية بمسؤوليته أمام الصحافة والإعلام اللذين يكتسبان حق المساءلة والنفاذ إلى المعلومات بحكم المهنة والمسؤولية أمام المتلقى، أما الخطوة الأخيرة للمحاسبة، فهى الرادع القانونى، وهو ما يجب أن يتساوى أمامه الجميع سواء كان فى موقع السلطة، أو كان مواطنًا عاديًّا، وتلك سمة مهمة للآلية الديمقراطية فى محاسبة المسؤولين، الذين يتجاوزون القوانين والأعراف المعمول بها إذا أدت إلى أذى لأى طرف، كل فى موقعه.
قد لا تأتى العملية الديمقراطية بالأفضل دائمًا، ولكن يظل النظام الديمقراطى هو الأفضل لكل أطراف العملية السياسية، التى لا يمكننا أن نستثنى منها المواطنين بأى حال لأن الأساس المهم الذى تقوم عليه فكرة الديمقراطية هو قيمة «المسؤولية»، فالمواطن مسؤول عن اختياراته، والسياسى مسؤول أمام ناخبيه، والسلطة المنتخبة مسؤولة أمام دافعى الضرائب والبرلمان المنتخب، وبالتالى يكون جميع أطراف العملية السياسية شركاء مباشرين فى القرارات والخطط السياسية والاقتصادية، بمسؤولية نابعة من القدرة على الوفاء بالوعود والتمكن من تنفيذ الخطط الموضوعة، تحت سيف قدرة المواطنين على التغيير فى عملية انتخابية قادمة لتصحيح ما مضى، واختيار مَن يعتقدون أنه قدر تطلعاتهم، فى عملية ديمقراطية تدور مادامت الحياة تدور، وتتبدل الوجوه مادامت الظروف تتغير، والتطلعات تختلف.
نقلا عن المصري اليوم