سحر الجعارة

فى السينما هى المبتدأ والخبر.. هى المعنى الحرفى لعبارة «قوة مصر الناعمة».. هى أميرة القلوب التى طالما أسعدتنا وأبكتنا.. وعلمتنا.إنها فتاة الأحلام لملايين الشباب العرب، التى تمردت على المجتمع المخملى لتفتح أبواب الحرية للمرأة العربية.ما قدمته «فاتن حمامة» للمرأة المصرية أقوى من النسيان وأكثر حضوراً وتأثيراً رغم الغياب.. لن تفارقنا ابتسامتها الرقيقة ودموعها الأبية.

إن شئت أن تتعرف على جبروت الحب.. استمع إلى «آمنة» فى «دعاء الكروان»: (أنا بنتقم من نفسى فكرت فى يوم من الأيام أعذبك بالحب - مجاش على بالى إن السلاح اللى حاولت أجرحك بيه، هيجرحنى أنا كمان)!

وإن شئت أن تؤرخ لمصر بشريط سينمائى.. ستراها بعد ثورة 1952 «الأستاذة فاطمة» طالبة كلية الحقوق التى تنتمى إلى عائلة متوسطة وتؤمن بأن للنساء دوراً يوازى دور الرجال فى المجتمع.وفى عام 1975 ستجدها امرأة معاصرة تسعى لمساواة المرأة بالرجل فى القانون.. وتنجح بالفعل فى تغيير قوانين الأحوال الشخصية فى مصر: «أريد حلاً».ومن عصر إلى آخر كانت «فاتن» دائماً موعودة بالمواقف المعقدة التى جعلتها فى صلابة ألماس.. مهما كانت درجة التحدى أو طبيعة الخصم.

ملكة الإحساس لم تكن لتتخلى عن حبها، بعدما أشاعوا عام 1955 أن «عمر الشريف» يهودى الديانة.. رغم كونه مسيحياً.. ليصبح حبها مقابل جماهيريتها.. لكنها انتصرت لاختيار القلب وتزوجت بعمر. وهى تقول: (أنا لا أريد من الدنيا.. كل الدنيا.. غيره.. فهل هذا كثير علىّ؟).

وصفها «عبدالناصر» بأنها «ثروة قومية» ومنحها وساماً فخرياً فى بداية الستينات.

لم تنهزم «فاتن» أمام مطاردة أحد لها.. لكنها انكسرت تماماً وتحطم كبرياؤها واهتزت ثقتها فى كل شىء عند نكسة 1967.. كانت هاربة يسكنها الوطن رغم قسوته عليها آنذاك.فى كل أزمة كانت تثبت «فاتن» أن الفنان موقف، ألم يكن فيلم «أفواه وأرانب» مواجهة مع انفتاح «السادات»؟ألم تشجع «فاتن» ثوار 25 يناير وتطالبهم بالحفاظ على مكتسبات ثورتهم وذلك فى الذكرى الأولى لها؟!

لم تتخل عن شجاعتها وجرأتها رغم حالة التصالح مع نظامى «السادات ومبارك».لقد اعتذرت «فاتن» عن لقاء الفنانين بالمعزول «مرسى».. لكنها ذهبت للرئيس «السيسى» قبل انتخابه، فترك السيسى مقعده وتوجه لها ليلقى سلاماً خاصاً لها، قائلاً: (لا يمكن أن يفوتنى أبداً أنى أوجه كلمة شكر خاصة لك).الحب والسياسة وجهان لوطن واحد. . وطن كان يتجسد فى ملامحها الرقيقة، وتلك الأرستقراطية البسيطة التى تتخلى عنها تماماً لتقديم مشهد فى فيلم مثل رائعة «يوسف إدريس»: «الحرام».

ما أصعب الكتابة عن إنسانة اعتدت أن تجسد هى عذاباتك وانكساراتك.. وأن تترجم أفراحك وآلامك.. أن تضبط إيقاع حياتك بـ«ضمير أبلة حكمت».

تبدو لى «فاتن» مثل فراشة لوّن الخالق ريشها الرقيق، فلن نعرف أسرار ألوانها لنصفها.. مهما ادعينا البلاغة!تبدو لى مثل قصيدة تعرف كل أبجديتها ولحروفها.. لكنك عاجز عن صياغتها.مثل سيمفونية عبقرية.. تتعلم منها فن الاستمتاع بالموسيقى الراقية.. لكنك لا تملك لغة قراءتها ولا آلة لتعزفها.قل إنها «نجمة القرن» أو «سيدة الشاشة العربية».. وإن اختفاء «وجه القمر» يسدل الستار على الزمن الجميل.فهل عرف الشعب العربى قيمة لؤلؤته النادرة؟

فى ذكرى وفاة «فاتن حمامة» لا بد أن نحتفى بهذا الرصيد السينمائى الهائل، الذى يؤرخ لمرحلة مهمة من حياتنا بكل ما بها من تحولات سياسية واجتماعية ومتغيرات اقتصادية.. إنها النجمة التى صنعت سينماها الخاصة ومنحتها وهجاً ونجومية راقية وحضوراً خاصاً ارتبط باسمها وحدها.

نقلا عن الوطن