هاله الجيار
لطالما وقفت حائرة فى تقييم شخصية هذا الرجل..وكنت دائما افكر فى طريقته لتحقيق أهدافه التى كانت تفجر فى رأسى اسئلة مبهمة الإجابات.. فأنا وقتها كنت ماذلت قليلة الخبرة بأمور الحياة..
كان يرأسنى فى العمل فى إحدى الأماكن التى عملت بها فى بداية مشوارى المهنى.. كان قليل الكلام لا يبادر ابداً بالحديث لأنه لا يجيد الحديث مع الأخرين لذلك لا يتكلم بعيداً عن العمل الذى يتقنه تماما ..ومع مرور الأيام هالنى أن اكتشف أن مديرى المجتهد الصامت الذى كان يحيط نفسه بغلاف من الغموض أغلب الوقت ما هو إلا إنسان مرتشى فطبيعة عملنا هو الماليات وكان من مسؤولياته الأساسية سداد مستحقات المقاولين مما أتاح له أن يساوم على سرعة السداد أو تأخيره ومن يريد مستحقاته سريعا عليه أن يزوره مساءاً على القهوة التى إعتاد الجلوس عليها يوميا وكانت المقابلات والاتفاقات تتم هناك بعيداً عن مكان العمل ..كانت نظرات الموظفين الذين اكتشفوا الموضوع تنتهى ببعض الهدايا والمبالغ البسيطة ..ولكن قد يثرثر البعض الآخر ممن لم ينالوا حظاً من غنائم الرشوة وهم من عرفت منهم هذه الحقيقة..هذا الرجل كاد يقلب موازين الأمور فى حياتى بأفعاله وأنا اهمس بداخلى كيف لا يتقى الله فى عمله ..
وكيف يقبل على نفسه هذه الأموال المحرمة ويشترى بها سيارة ومنزلاً وحساباً بالبنك.. ولكن لم يتركنى الله فى حيرتى واراد أن يعلمنى الدرس مبكراً لأضعه أمام عينى طول العمر فجأة مرضت ابنته الكبرى مرضاً صعباً صرف عليها أموالاً كثيرة للعلاج ولكنها انتقلت إلى خالقها ليأخذ اول صفعة من الله ليفيق ولكن لا جدوى كانت لذة إقتناء المال تفوق أى إعتبارات وحزنت عليها زوجته ولم تمر السنة الا وقد ماتت هى الأخرى حزناً وكمداً على إبنتها وهاهو الله يكرر له الصفعة ولم أصدق عينى حين رأيته بعد ما إنتهت فترة العزاء يتلقى الرشاوى مرة أخرى وكأن ما حدث لا شىء.
.وعندما بدأت أخباره تصل إلى الإدارة العليا تم التحقيق معه فى بعض المخالفات وتم نقله نهائياً إلى مكان آخر فى عمل إدارى دون أى مسؤوليات مالية وعلمت فيما بعد أنه أصيب بمرض مزمن صعب .. وحينها أدركت الحكمة وتعلمت الدرس بأن الله لا يترك الاشرار عبثاً ولكن لحكمة هو يعرفها هو يريد منهم التوبة والرجوع ويستخدم عصا التأديب فالله "لا يأخذ بالوجوه ولا يقبل رشوة" (تث 10: 17). ولكن من يرفض فله أن ينال جزاء فعله ...إلى الأن أتذكر مديرى هذا وأشكر الله أنه كان يرسل لى المواعظ فى شخصيات ومواقف حية لأتعلم وأعلمها لغيرى لأن محبة المال تعمى الإنسان عن طريق الله وطريق الحق وعواقبها صعبة جداً إن يهوذا خان المسيح وإرتشى بثلاثون من الفضة وسلمه لليهود ومات منتحراً وأصابته لعنة الخطية و دليلة أخذت رشوة للإيقاع بشمشون فى الخطية والنهاية محزنة وهناك العديد من قصص الرشوة فى الكتاب المقدس
أرى الجميع الأن يتكلم عن الغلاء وصعوبة المعيشة وقلة الموارد غير واضعين أمام أعينهم الأية ..
وَٱللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ ٱكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.
سردت لكم هذا الإختبار للعبرة ولخوفى من أن ضغوط ومطالب الحياة تجعلكم تسلكون هذا المسلك المهلك وتقعون فى خطية عاقبتها الندم ..إن محبة المال هى أصل لكل الشرور والطريق المعووج نهايته صعبة وقاسية .
فيا احبائي تمسكوا بالرب ولا تخافوا العوز و الإحتياج فهو القادر ان يسدد وكونوا كما انتم صالحين سالكين بالكمال..
ولكم منى كل الحب..