القمّص يوحنا نصيف
يشرح لنا آباء الكنيسة العِظام، القدّيس أثناسيوس الرسولي، والقدّيس كيرلّس الكبير، هذه الحادثة الهامّة جِدًّا، وكيف أنّها كانت أساسيّة لخلاصنا. ويسعدني في هذا المقال الصغير أن أقدّم بعض مقتطفات من شرحهم.
أوّلاً: الخُلاصة:
إنّ حلول الروح القدس على الربّ يسوع كان حلولاً علينا نحن المتّحدين به، فهو في تجسُّدِهِ قد اتّحد بطبيعتنا البشريّة لكي يشفيها ويجدّدها ويُقدِّسها، ويجعل روحه القُدُّوس يَسكُن فيها إلى الأبد.
ثانيًا: شرح القدّيس أثناسيوس الرسولي (297م – 373م)، في كتابه (ضِدّ الأريوسيّين 1: 46 و47):
+ المُخَلِّص.. إذ هو الله.. هو نفسه مانح الروح القدُس، إلاّ أنّه يُقال الآن أنّه يُمسَح (في معموديّته). فهو كإنسان يُقال عنه أنّه يُمسَح بالروح، وذلك لكي يَبنِي فينا نحن البشر سُكنَى الروح وأُلفَتَهُ.
+ إذن فإن كان من أجلنا يُقَدِّس ذاته، وهو يفعل هذا لأنّه قد صار إنسانًا، فمِن الواضح جِدًّا أنّ نزول الروح عليه في الأردن، إنّما كان نزولاً علينا نحن، بسبب لِبسِه جسدنا. وهذا لم يكُن من أجل ترقية اللوغوس (الكلمة)، بل من أجل تقديسنا من جديد، ولكي نشترك في مسحته، ولكي يُقال عنّا: "أمَا تَعلَمون أنّكم هيكلُ الله وروح الله ساكنٌ فيكم؟" (1كو16:3).
+ فحينما اغتسل الربُّ في الأردن كإنسان، كُنّا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته، وحينما اقتَبَلَ الروح، كُنّا نحن الذين نَقبلُهُ بواسطته.
ثالثًا: شرح القدّيس كيرلّس الكبير (375م – 444م)، في كتابه "شرح إنجيل يوحنّا":
+ إنّ صورة الله في الإنسان، بدأت تَبهَت بدخول الخطيّة، ولم يَعُد الختم مُشرِقًا لامِعًا.. نُزِعَت من طبيعة الإنسان النعمة الأولى، وفارق الروح القدس تمامًا الطبيعة الإنسانيّة، وسقطَت الطبيعة العاقلة في أعماق الغباوة، وصارت تجهَل حتّى خالقها نفسه.. وبالإجمال ظهر أنّ الطبيعة الإنسانيّة قد تعَرَّت من الروح القدس الذي سكن فيها.
+ حينما صار كلمة الله إنسانًا، اقتَبَلَ الروح القدس من الآب كواحدٍ مِنَّا، ليس كمَن يَقبَله لنفسه كأقنومٍ في ذاته، لأنّه هو نفسه الذي يُوَزِّع الروحَ؛ وإنّما الذي لم يَعرِف خطيّة، عندما يَقبَل الروح كإنسان، فإنّه يحفظ الروح لطبيعتنا، لكي تتأصّل فينا النعمة التي كانت قد فارقتنا.
+ لقد فارقنا الروح لسبب الخطيّة، لكنّ الذي لم يعرف خطيّة، صار كواحدٍ مِنّا لكي يتعوّد الروح القدُس على السَّكَن فينا، بدون سبب للمُفارقة أو الانسحاب، لذلك فهو يَقبَل الروح القدُس لأجلنا من خلال نفسه، لكي يَستعيد لطبيعتنا ذلك الخير الأصلي..
+ فكما أنّه مع كونِهِ الحياة بطبعِهِ، قد مات بالجسد لأجلنا، لكي يَغلِبَ الموتَ لأجلنا، ويُقيمَ طبيعتنا كلّها معه -لأنّنا جميعًا كُنّا فيه، لكَونِهِ قد صار إنسانًا- هكذا أيضًا هو يَقبَل الروحَ لأجلِنا لكي يُقَدِّس به طبيعتَنا كلّها. لأنّه لم يأتِ لكي ينفع نفسه، بل لكي يصيرَ لنا جميعًا الباب والبداية والطريق لكلّ الخيرات السمائيّة.
[شرح إنجيل يوحنا - الأصحاح الأوّل - صفحة 161-163]
كلّ عام وأنتم ممتلئون من نعمة الروح القُدُس في المسيح يسوع،،
القمّص يوحنا نصيف
عيد الظهور الإلهي
يناير 2024م