مدحت بشاى
ونحن نعيش زخم احتفالية عيد الثقافة السنوي ( المعرض السنوي للكتاب ) وحلم مواصلة السعي لاستكمال ودعم كل المشاريع الثقافية التي تبنتها دولة 30 يونيو، أتذكر جيدًا توجيه هام للرئيس عبد الفتاح السيسي لوزير الأوقاف، أحتفظ بنصه " شوفوا تعملوا ندوة أو مؤتمر لمدة أسبوع أو أكتر علشان يبقى النقاش فى موضوع " الشأن العام " ويبقى من منظور اجتماعى وسياسي ودينى وثقافى وفكرى، بس خلونا نشوف ده، وأرجو إن الإعلام يغطى بعد إعداد جيد لهذا الموضوع من الأوقاف ومشيخة الأزهر علشان الناس تسمعنا وإحنا بنتكلم يعنى إيه " شأن عام " لأن ده أمر مهم قوى وخطير جدًا فى ظل الظروف اللى بتمر بمنطقتنا وبمصر، وبالتالى محتاجين نتكلم مع شعبنا إن المواضيع بيتم تناولها بشكل مؤثر..خلينا نفرد لها وندي فرصة للكل يتكلم ويسمع، نظموها وأنا هحضر بس أرجو يكون فيه إعداد لأن مش هيكون بس على أد الدين، كان ممكن أقول لأجهزة الدولة تعمله لكن أنا قلت إن أهل الدين أولى بالحديث عن الشأن العام"...
ولعل الإعلام الديني بكل وسائطه وأدواره وفي الصدارة منها مناقشة قضايا تطوير الخطاب الروحي والتنويري لدعم جهود مجابهة كل أصحاب دعاوى التعصب المجنونة فهي من أهم قضايا " الشأن العام " مادام القائم على تنظيم مثل تلك الفعالية هي مؤسساتنا الدينية..
منذ بدايات العمل في إنشاء وسائل وقنوات إعلامية دينية حديثة مستفيدة بكل تقنيات العصر، كان الأمل دومًا أن تذهب جهود أهل تلك النوعية من الإعلام لتكوين منابر ثقافية روحية مسئولة تتعاطى في تناولها كل الملفات التي لها علاقة بالهوية والثقافة والتقاليد والطقوس والعبادات والآداب والمسرح والموسيقى وحقوق الإنسان بمعناها الأكثر شمولًا ودعم كل رسائل التنويرعبر الاهتمام والعناية بكل كائن بشري، فما قيمة الشمعة دون الشعلة وما قيمة الإعلام إن لم يكن للإنسان ؟..
لاشك أن الإعلام يعكس في النهاية أخلاق مجتمعه، بارتكازها أولًا على أخلاقيات كل من المؤسسة الإعلامية والأشخاص العاملين فيها. وأرى في انعكاس مشاكل الإعلاميين الأخلاقية وخروجهم على القيم والمثل السليمة تشويهًا لوظيفة الإعلام، فدورها لا يقل عن دور التربية المنزلية والمدرسية والجامعية فهي ينبغي أن تهدف إلى بناء مجتمع متميز أخلاقيًا ومتطور فكريًا.
وعليه،ينبغي الحرص على عدم تغييب الحقائق، وتفعيل كل أدوات النهي والتقويم والمحاسبة، وتأمين كل نظم مراقبة عدم الخروج عما تلزمنا بها القوانين والدستور والقيم في ظل عالم باتت فيه الحقيقة غالبًا ممنوعة من الصرف …
ثم يكون السؤال الأهم: وماذا يمكن أن تكون خطوات الذهاب لبناء إعلام ديني بمحددات روحية معينة لتفعيل رسائل الأديان ودعواتها العظيمة للناس للتعايش بسلام ومحبة وإعلاء للقيم الأخلاقية وفي مقدمتها نبذ الكراهية ومقاومة روح التعصب ؟
وأظهرت الدراسة، التي أعدها "جوردان جرافمان، من جامعة "نورث ويسترن" الأمريكية أن المعتقدات الإنسانية والمعتقدات الدينية، بطبيعة الحال، هي جزء من المخزون المعرفي والاجتماعي، الذي يميز البشر عن الكائنات الأخرى، وتتأثر العمليات الإدراكية والاجتماعية بتطور مناطق معينة في الدماغ البشري.
وحسب وكالة سبوتنيك، عكف جرافمان، وفريقه البحثي على فحص المئات من المحاربين القدماء في فيتنام، وأظهرت أنهم يعانون من خلل في جزء من الدماغ، يعرف باسم "قشرة الفص الجبهي البطني"، ووجد أن أولئك المحاربين يعانون من مستويات عالية من "التعصب الديني" مقارنة بالآخرين الذين لا يعانون من نفس الخلل.
وتشير الدراسة إلى أن اختلاف طبيعة المعتقدات الدينية تحكمه مناطق معينة في الدماغ، وتحديدا الأجزاء الأمامية من الدماغ البشري.ويعتقد أن "قشرة الفص الجبهي البطني"، تقع في الفص الأمامي من الدماغ، وتعد مركزا حيويا لأنظمة المعتقدات.
بناءً على ما تقدّم، تقول الدكتورة " بيتسا إستيفانو": " يُحدَّد "التعصّب" على أنّه المغالاة في الانتماء إلى جماعة، أو دين، أو عقيدة. ويشكّل "المتعصّبون" عِصابة أو عُصبة، يجمعهم تشدّد في آرائهم، وتربطهم بعضهم ببعض خيوط "عصبيّة" تؤمّن تنقّل الحسّ والحركة بينهم كما العصب في الجسم. وهذا "التعصّب" يجعل المتعصّب منعزلًا عن الآخرين ومنكفئًا على ذاته. أمّا في التداول، يُشار إلى الشخص "المتعصّب" بالمتطرّف المتحمّس لعقيدته والمتشبّث بها إلى حدّ الانغلاق على أتباع الديانات الأخرى.. "
وكان الكاتب الفرنسيّ فولتير Voltaire (1694-1778) قد عرّفه في "مقبرة التعصّب" (1767) حيث قال "إنّ التعصّب هوس دينيّ فظيع، مرض معدٍ يُصيب العقل كالجدري. وهؤلاء المتعصّبون قضاة ذوو أعصاب باردة يحكمون بالإعدام على الأبرياء الذين لم يفكّروا بنفس طريقتهم ولم يؤمنوا بمعتقدهم... وإذا كان الشكّ هو جزء من الإيمان، فإنّنا لا نتحدّث عن إيمان بل عن معرفة. والمتعّصب يدّعي المعرفة وهو بالتالي لا يساوره أيّ شكّ ولا يحبّ المناقشة لأنّه يعتقد أنّ رأيه لا يحتمل أيّ نقد، فيبدو تشبّثه حالة مماثلة للعُصاب القهريّ. وبحسب " فرويد "، هناك مماثلة بين الدين وعُصاب الوسواس القهريّ في علاقتهما بالمحرّم والمقدّس والتشبّث بهما وفقًا لحتميّة داخليّة لا تقبل الجدل وكذلك الأمر بالنسبة إلى التعصّب. فلكي يهرب الإنسان من التشتّت النفسيّ (العُصاب والفوبيا والهذيان هي أليّات تفاعل له) يلجأ إلى تقاليد دينيّة تتمحور أهدافها على أحاديّة المطلق معتبرةً أنّ التعدديّة تُشتّت وتبدّد، لذلك تقدّم هذه التقاليد دلالات موحّدة لحقيقة غير قابلة للمناقشة.
نقلا عن الدستور