Richard de Bury
( 1287- 1345 )


إعداد ماجد كامل
من بين رجال العصور الوسطى الذين  أشتهروا بعشق الكتب ، وساهموا بكتابتهم فى نشأة وظهور علم المكتبات ، يأتي ذكر الأسقف ريتنشارد دي بيري Richard de Bury . أما عن ريشتارد بيري نفسه فهو :-

أولا ميلاده ونشأته :-
أسمه فى القواميس العالمية Richard de Bury . ولكنه عرف أيضا بأسم Richard Aungerville أو Aubgervyle .  ولد فى 24 يناير 1287 ، وتوفى والده هو صبي صغير ، فتولى  عمه تعلميه ،  وتدرج فى مراحل التعليم المختلفة حتى ألتحق بجامعة أكسفورد . ودرس الفسفة واللاهوت . ولقد ذكرت بعض المراجع أنه ألتحق بالرهبنة البندكتية  ، ولكنها معلومة غير مؤكدة . ولكنه أصبح قسيسا priest  .و وبعدها عمل مدرسا خصوصيا للملك أداوارد الثالث Edward 111 ( 1312- 1377 ). والذى أشعل فيه الرغبة لعشق الكتب . فعينه فى العديد من الوظائف الهامة .

وخلال تلك الفترة تعرف بالشاعر الإيطالي الكبير بترارك Petraca   (   1304- 1374  ) ثم  قام  البابا يوحنا الثاني والعشرين Joannes xx11 (  1316- 1334  ) بابا الكنيسة الرومانية رقم 195 ،  ،  بترقيته  إلي منصب أسقف  درهام Bishop of Durham .

وخلال فترة أسقفيته ، حرص بيري على بناء مكتبة  كبرى في إيبارشيته ، وقام بالسفر   فى كل مكان بحثا عن المخطوطات ، ونجح فى أنقاذ العديد من المخطوطات من يد بعض الرهبان الغير مدركين لقيتمتها وأهميتها ، ولقد سجل بيري عشقه للكتب فى كتاب له بعنوان فى حب الكتب Philobiblion ، قام بكتابته عام 1344 باللغة اللاتينية  ، وطبع لأول مرة عام 1473 . وتمت ترجمته إلي اللغة الإنجليزية عام  1888 . ولقد  وصف مؤرخ  تاريخ المكتبات ألفريد هيسل  هذا الكتاب فى كتابه الشهير "تاريخ المكتبات " ، والذى قام الدكتور شعبان خليفة بترجمته إلي اللغة العربية ،  بقوله " ما زال هذا الكتاب يقرأ حتى اليوم بلذة فائقة . فهو يضمن هذا الكتاب نشيدا عذبا فى مدح الكتاب ،فعلي من قدره بوصفه المنبع الصافي الأبدي ونور النفس الصادقة وسلاح الله يمنحه للقضاء على الهراطقة ، وعنصر التشويق فى هذا الكتاب إنما يتأتى  من أنه تضمن نظرية مكتبية في غاية الأهمية ، وفوق كل ذلك يحمل  هذا الكتاب تصويرا دقيقا لشخصية المؤلف ونشاطه الدائب في جمع المخطوطات .( ألفرد هيسيل :- تاريخ المكتبات ، تعريب شعبان خليفة ، المكتبة الأكاديمية  ، 1993 ، صفحة 61 ) .

وعن عشق دي بيري الشديد للكتب ، يروي لنا د . شعبان خليفة في كتاب "الكتب والمكتبات فى العصور الوسطى ، المجلد الأول " أنه أستطاع جمع كمية ضخمة من  الكتب لم يجمعها أحد من قبل ، حتى ازدحمت غرفات المنزل بالكتب حتى وصلت إلى غرفة نومه التى اكتظت بالكتب لدرجة أنه كان يقفز فوق الكتب للوصول إلى سريره . ولقد أوصى بيري بمكتبته إلي كلية ديرهام فى أكسفورد ، ووضع لها قواعد صارمة للإطلاع منها طرد أى قاريء يتناول الكتب بأيدى متسخة أو وهو يأكل ويشرب ، كما سمح لجميع الطلاب والأساتذة فى كل أكسفورد بالإطلاع عليها ، ولم يكن يسمح بالاستعارة الخارجية إلا فى حالة النسخ المكررة " ( شعبان عبد العزيز خليفة :- المرجع اسابق ذكره ، صفحتي 390 ،391 ) .

 ولقد توفى الأسقف ريتشارد دي بيري فى  14 أبريل 1345 عن عمر يناهز 58 عاما .


ثانيا  :- أهمية ومضمون  كتاب " فى حب الكتب " .
بداية مشروع هذا الكتاب عندما مهد توماس كوبهان Thomas Cobhan أسقف ووستر الطريق لإنشاء مكتبة عامة للجامعة أكسفورد في تاريخ مبكر هو 1327م ، ولكن نظرا لوجود صعوبات عملية أمامية ، لم تبدأ هذه المكتبة الجامعية عملها إلا فى عام 1412 ، وقام ريتشارد دي بيري  بتخطيط الجزء الأكبر من هذا المشروع  بالرغم من أنه لم  يتم تحقيقه فى حياته ،  إلا أنه جمع حوله المزخرفين والنساخ والمراجعين والمجلدين ، وتعامل مع بائعي الكتب بسخاء كلما زار معارض الكتب ، ولقد وجه بهجوم شديد بسبب  عشقه الشديد للكتب إلى هذه الدرجة ، وللرد على هذا الهجوم بطريقة عملية ،فكر فى تأليف كتاب يعبر فيه عن أسباب هذا الحب . فكان هذا الكتاب . ولقد عبر بيري عن عشقه للكتب بأسلوب جميل وجذاب ، وهو يحمل مدحا كبيرا للكتب ، كما يحمل قدر كبيرا من السخرية ممن لا يحبون الكتب ، ولقد وجه لوما شديدا إلي تلاميذ المدارس الدينية الذي لا يحترمون الكتاب بالقدر الكافي أثناء القراءة  . ولقد وصفهم بأوصاف قاسية شديدة نذكر منها " قد يحدث أن نشاهد بعض التلاميذ منحنيا فوق الكتاب الذي يدرسه ، وأظافره سوداء كالقطران مليئة بالأوساخ القذرة ، وبهذه الأظافر كان التلميذ يضع  علامات على الفقرات التي تعجبه من الكتاب ...... ولم يكن يهم أن يأكل التلميذ جبنا أو فاكهة على الكتاب المفتوح ، او يحمل فوقه الكوب إلي شفتيه  ، فكان يترك بقايا الطعام تتساقط  على كتابه "( سفند دال :- تاريخ الكتاب من أقدم العصور إلى الوقت الحاضر ،ترجمة محمد صلاح الدين حلمي ، راجع الترجمة توفيق اسكندر،المؤسسة القومية للنشر والتوزيع  ، صفحتي 88 ،89 ) .

والكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات المتعلقة بأهمية الكتب وحفظها وتنظيمها ، وهو مقسم إلى عشرين فصلا ، كل فصل منهم يغطي موضوعا مختلفا يتعلق بجمع الكتب ، ويذكر بعض المؤرخين أن القديس توما الكمبيسي   Thomas a Kempis (  1380- 1471   ) صاحب كتاب " الاقتداء بالمسيح " The Imitation of Christ أستعار فصلا كاملا منه لأحد أعماله ، ولقد أعتمد بيري فى كل أقتباساته  من الكتاب المقدس على الترجمة اللاتينية المبسطة المعروفة بأسم Vulgata ، والتي قام بها القديس جيروم St . Jerome (    342- 420 م ) . أما عن محتويات الكتاب فهي :-

1-كنز الحكمة موجود بشكل رئيسي في الكتب .The Treasure if Wisdom is Chiefly contained in Books  
حيث يقول " فى الكتب أجد الموتى كانهم أحياء ، فى الكتب أتوقع الأمور القادمة ، من الكتب تخرج قوانين السلام " .

2-درجة المودة التي بشكل صحيح إلى الكتاب The degree of Afeection that is properly due to Book
 فيقول ""كل من يدعي أنه غيورعلى الحقيقة ، أو الحقيقة ، يجب أن يكون محبا للكتب " .

3-ما علينا ان نفكر فى السعر عند شراء الكتب . What we are to think of the price in the buying of Books
فيقول " تحتوي الكتب على الحكمة والحقيقة ، لذا يجب شراؤها بأي ثمن معقول ، لا يجب ان يمنع أرتفاع أسعار الكتب الرجل من شراءها " .
4-شكوي الكتب ضد بعض رجال الأكليروس .The Complaint of Books against the Clergy

فيقول " كانت  للكنيسة الكاثولوكية ، لسنين طويلة  تظهر عدم الثقة في الكتب غير الدينية ، وخاصة الكتب اليونانية الكلاسيكية ، التي اعتبرت وثنية " .
5-شكوى الكتب على أصحابها .The Complaint of Books against the Possessions

وفيه  يسخر دي بيوري من الرهبان الذين أنصرفوا عن الدرس والقراءة إلي العمل اليدوي فيقول " إن القطعان والصوف  ، والمحاصيل ، ومخازن الغلال ،  في الوقت الحاضر  أصبحت  هي قراءة ودراسة الرهبان " .

6-شكوى الكتب من المتسولين . The Complaint of Books against the Mendicants
7-شكوى الكتب من الحروب . The Complaint of Books against Wars
فيقول " الحروب التي لا تخضع للعقل ،  تشن هجوما شرسا على كل ما تصادفه ، ولأنها تفتقر إلي فحص العقل ، فإنها تمضي دون تمييز لتدمير أوعية العقل "

8-الفرص العديدة التي أتيحت لنا لجمع الكتب .Of the numerous Opportunities we have had of collecting a store of Books
 فيثقول "لقد  منحنا الملوك الذي قمنا بخدمتهم ، مقابل الخدمة ، سهولة الوصول لغرض البحث بحرية فى بطون الكتب "
9-إن كنا فضلنا أعمال القدماء ، إلا أننا لا نرفض كتابات المحدثين أيضا . How although we preferred the Words of the Ancients we have not condemned the Studies of the Moderns

10-فى الإتقان التدريجي للكتب . Of the Gradual perfecting of Books
11- لماذا فضلنا كتب التعليم الليبرالي عل كتب القانون  ؟ Why we have preferred Books of Liberal Learning to Books of Law
12-لماذا قمنا بإعداد كتب القواعد بكل دقة . Why we have Caused Books of Grammar to be so diligently prepared
حيث قال "لكي نقدر اللكتاب بشكل كامل ، يجب على الشخص أيضا أن يدرس القواعد ، لفلقد لاحظنا بوضوح  كيف أن المعرفة الناقصة حتى  ولو بكلمة واحدة قد تعبق الفهم "

13- لماذا لم نهمل بالكامل خرافات الشعراء. Why we have not wholly neglected the fables of Poets
14-من ينبغي أن يكون من عشاق الكتب المميزين .Who ought to be special lovers of Books
وبحددهم دي بيري في الأمراء والشعراء والأساقفة والقضاة وجمع قادة الدولة الآخرين ، بما أنهم يحتاجون إلي الحكمة أكثر من غيرهم ، لذلك يجب عليهم أكثر من غيرهم أن يقبلوا على القراءة .

15-من فوائد حب الكتب. Of the advantages of the loves of Books
16-يجب علينا أن نكتب كتبا جديدة ، ونهتم بإحياء الكتب القديمة . That is the meritorious to write new Books and to renew the old

17-إظهار اللياقة الواجبة فى العناية بالكتب Of showing due to propriety in the Custody of Books
18-لقد قمنا بجمع هذا المخزون الكبير من الكتب للمصلحة العامة وليس فقط من اجل متعتنا الشخصية. We have collected so great store of Books for the common Benefit of Scholars and not for our own Pleasure

19-قواعد إعارة جميع كتبنا للطلاب. Of the Manner of lending all Books to Students
20-حث للعلماء أن يكافئونا بالدعاء الصالح. An Exhortation to Scholars to requites us by pious Prayers

بعض مراجع المقالة :-
1-شعبان عبد العزيز  خليفة : الكتب والمكتبات فى العصور الوسطى ، المجلد الأول ، الدار المصرية اللبنانية ،      صفحة 390 ، 391 .
2-الفريد هسل  :- تاريخ المكتبات ، تعريب شعبان خليفة ، المكتبة الأكاديمية ، 1993 ، صفحة 61 .

2-سفند دال :- تاريخ الكتاب منذ أقدم العصور إلي الوقت الحاضر ، ترجمة محمد صلاح الدين حلمي ، راجع الترجمة توفيق اسكندر ، المؤسسة القومية للنشر والتوزيع ، صفحتي 88 ، 89 .

3-الكسندر سيبستشفيتيش :- تاريخ الكتاب ، القسم الأول ، ترجمة محمد م . الأرناؤوط ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، الكتاب رقم 169 ،   صقحة 194.
4 -بعض المواقع المتفرقة على شبكة الإنترنت.