هاني لبيب
ما تمر به المنطقة العربية الآن.. لم تمر به منذ نشأتها. انقسامات داخلية وصراعات وحروب أهلية بشكل غير طبيعى فى فلسطين (السلطة الوطنية وحركة حماس)، والعراق (الجيش العراقى وقوات الحشد الشعبى)، ولبنان (الحكومة وحزب الله)، وسوريا (الحكومة وداعش وغيرها)، والسودان (الجيش وقوات الدعم السريع)، وليبيا (شرق وغرب، وتدخلات دولية من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا)، واليمن (الحكومة والحوثيين).
أعتقد أننا أصبحنا فى أمَسّ الحاجة اليوم لإعادة النظر فى مفهوم العروبة بما تتضمنه من كلمات وأفكار عن القومية العربية.. أصبحت من الأوهام الافتراضية، وما يتبع ذلك من إعادة النظر فى وجود جامعة الدول العربية وبقائها بالشكل الذى هى عليه الآن، وتقييم تجربتها فى إطار ميثاقها، الذى لم يتغير منذ نشأتها ودورها على أرض الواقع من جانب، والدور الذى تقوم به فعليًّا بعيدًا عن عقد اللقاءات والندوات والمؤتمرات وإصدار تصريحات الشجب والإدانة والتنديد والقلق، التى حكمت الغالبية العظمى من كلمات بياناتها من جانب آخر.
إذا نظرنا على مستوى العالم، فسنجد أن منطقتنا تقريبًا هى الإقليم الوحيد على مستوى العالم، الذى لم يتأسس فيه أى تحالف حقيقى رغم العديد من المشتركات التى كانت من الممكن أن تكون أساسًا لتحالفات حقيقية قوية، بل مع تزايد التشابكات المعقدة والمصالح المتعارضة بين دول الإقليم، تغيرت ملامح العلاقات بين دول المنطقة العربية، وأصبحت الملامح الرئيسية لهذا التغيير هى أنه ليست هناك مصالح مشتركة، وليست هناك أخوة.
وليس لدينا كيان يجمعنا. والأخطر أن جامعة الدول العربية، التى من المفترض أنها الكيان الوحيد المنوط به القيام بدور عربى حقيقى، أصبحت تمثل عبئًا سياسيًّا على الدول العربية، بعد أن تحولت توجهاتها حسب مرحلة وطبيعة الدولة الممولة إلى سفريات وأنشطة وفعاليات ومكافآت وبدلات الأنشطة اليومية للجهازين الفنى والإدارى للجامعة.
سعت مصر على مر سنوات طويلة إلى أن تؤسس لتحالفات مشتركة.. لم تتحمس لها بعض الدول، كما وأدتها ورفضتها دول أخرى. وكما كتبت قبل ذلك.. وصل الحال بدول المنطقة العربية الآن إلى أنها أصبحت ليست لديها استراتيجية وأهداف واحدة أو رأى وموقف متفق عليه تجاه أى قضية أو أزمة أو توتر. وأصبحت المواقف العربية إما تعبر عن السياسة الخارجية لكل بلد على حدة، أو مواقف شبه موحدة بين دولتين أو ثلاث على أقصى تقدير، وربما لمدة زمنية محددة.
فى تقديرى، أن الملامح الدقيقة لطبيعة العلاقات العربية- العربية.. تتحدد الآن فى اتفاقات جزئية.. تمثل مصالح وتوجهات وحسابات كل دولة على حدة. لم تعد هناك اتفاقات كلية، ولكنها اتفاقات جزئية فى ملفات محددة، وليس جميعها. وطغت المواقف الفردية للدول على المجمعة منها، حسب القوة النسبية لكل دولة، فى فرض إرادتها على منظومة عربية افتراضية مخوَّخة.
السؤال الساذج التقليدى: لماذا لا نستفيد مما يحدث ومن خبراتنا السابقة ومن خبرات غيرنا فى تطوير موقفنا السياسى؟، ولماذا نستمر فى استمرار مسلسل التعارض فى المواقف العربية الموحدة؟، ولماذا لا نُعيد ترتيب أولوياتنا من خلال أجندة جديدة تتضمن خصوصية كل دولة على حدة، والارتكاز على مشتركات اقتصادية تحديدًا جديدة.
نقطة ومن أول السطر..
يتجه العالم كله إلى التحالفات المرتكزة على العلاقات الاقتصادية.. لكونها تمثل طريق المستقبل. ومازلنا تحكمنا أفكار السيطرة والرئاسة والريادة الوهمية والافتراضية. ومازلنا نسير وفق أفكار بالية عن الوحدة العربية المزعومة التى لم تحدث فعليًّا.
نقلا عن المصري اليوم