ياسر أيوب
بعض العبارات والتشبيهات أطول عمرًا من أصحابها، وحتى من الأعمال التى قيلت فيها.. فلم يعد أحد الآن يتذكر السياسى والأديب البريطانى بنجامين دزرائبلى وروايته بعنوان الدوق الصغير، التى كتبها قبل توليه رئاسة الحكومة البريطانية.. وفى هذه الرواية كان بنجامين هو الذى ابتكر لقب أو تشبيه الحصان الأسود ليصف به من يأتى من بعيد أو من المجهول يشق طريقه نحو القمة وسط دهشة الجميع واستغرابهم.. وهو التعبير الذى شاع فى الأوساط الرياضية، وكان أكثر شيوعًا فى مجال كرة القدم بالتحديد.
وبات الجميع يلجأون إليه طول الوقت ويتساءلون قبل كل وأى بطولة عن الحصان الأسود الذى سيفاجئ الجميع.. وغالبًا لا تشهد أى بطولة كروية أكثر من حصان أسود واحد هو الذى يفوز رغم توقع الجميع خسارته.. لكن بطولة أمم إفريقيا الحالية فى كوت ديفوار شهدت أكثر من حصان أسود.. خيول سوداء جاءت تجرى من كاب فيردى وغينيا الاستوائية وموريتانيا وناميبيا وتسبق خيولًا قديمة كان هذا السباق طول الوقت ملكًا لها وحدها، تتقاسم فيما بينها فرحته وجوائزه وألقابه.. وقد يكون من الظلم إطلاق لقب الحصان الأسود على الخيول الجديدة وفقًا لفكر بنجامين دزرائيلى.. ونصبح نحن الظالمين الذين لم يهتموا من قبل ولم يتابعوا ما يجرى على الأرض فى تلك البلدان، وأغلقنا أعيننا حتى لا نرى إلا الخيول القديمة التى نحفظ تاريخها ونردد طول الوقت سابق انتصاراتها وبطولاتها.. والأفضل هو أن ننسى تعبير بنجامين ونتذكر ميريام ماكيبا.. المطربة والثائرة التى حملت لقب ماما أفريكا لسنين طويلة بعد طول معاناة وتضحيات وحروب.
وهو أيضًا لقب يردده كثيرون حين يأتى أوان الحديث عن إفريقيا ولعبتها وبطولاتها دون أن يذكروا صاحبة هذا اللقب ولماذا أصبحت ميريام ابنة جوهانسبرج هى ماما أفريكا.. فلم تكن ميريام مجرد مطربة، رغم أنها كانت مطربة ناجحة ومن أوائل وأهم الأصوات الإفريقية التى صفقت لها إعجابًا واحترامًا الولايات المتحدة وأوروبا والعالم كله.. إنما عاشت ميريام سنينها تغنى لتحارب التفرقة العنصرية والمظالم والأشواك المغروسة فى قلب وظهر بسطاء إفريقيا وأبنائها يبحثون طيلة أعمارهم عن حقوق ضائعة وأحلام دائمًا مؤجلة.
وظلت ميريام تغنى عن الإرادة والتحدى والمقاومة، فكانت صوتًا لمن لا صوت لهم.. وكانت أيضًا أول مطربة فى التاريخ تقف لتلقى كلمة فى الأمم المتحدة بعدما طلب منها العالم شهادتها عن التفرقة العنصرية فى جنوب إفريقيا وعن المظالم فى إفريقيا كلها، وهكذا أصبحت هى ماما أفريكا.. ورغم رحيلها فى 2008 بعد معاناة طويلة مع سرطان الثدى.. ظلت باقية فى عيون كل إفريقى ينتصر حتى لو لم يتوقع أحد انتصاره.
نقلا عن المصري اليوم