عبد اللطيف المناوي
كثيرة هى الموضوعات المطروحة للحديث هذه الأيام، لكنّ موقفًا يبدو فى البداية خاصًا قد جذب انتباهى، وعندما تعمقت فيه أكثر وجدت أنه جدير بمشاركته مع القراء لما فيه من زوايا.
لا أعلم إن كانت طبيعة شخصية أم أنها مرتبطة أكثر بالعمر. نرى الجانب الإنسانى ونبحث عنه فى المواقف المختلفة، وتؤثر فينا السلوكيات الراقية، ولعل فى مقدمتها مساعدة الناس.
جلست إلى جانب صديقى العزيز «تريم مطر تريم» فى مجلس عزاء ابنته التى ماتت فجأة فى عمر 24 سنة، يُرينى آخر صورة لها منذ يومين عندما دعته للغذاء، و«تريم» هو رجل أعمال وشخصية عامة فى الإمارات. وقد حكى لى فى هذا الموقف الصعب كيف لاحظ أن ابنته لا تستخدم دخلها فى شراء واقتناء ما تحبه الفتيات فى عمرها. وعندما قلق عليها سألها: ماذا تفعل بما يأتيها من دخل؟،فقصّت عليه حكايتها التى بدأتها منذ سنوات.
كانت الابنة تدرس فى الجامعة، وعندما زارت أوغندا تعاطفت مع معاناة الأطفال والسيدات هناك، فقررت أن يكون هدفها فى الحياة هو مساعدة هؤلاء البشر.
بدأت «حمدة»- وهذا هو اسمها- أعمالها الخيرية فى دول إفريقيا، فالراحلة صاحبة «مؤسسة حمدة للاستثمارات الخيرية»، وقد نفذت عددًا من المشروعات الخيرية، منها حفر بئر باسم والدتها فى قرية «مساكا» الفقيرة بأوغندا، والتى يعانى أهلها نقصًا فى التعليم والعلاج والمأكل والمشرب، كما أسست مشروع معهد مهنى خيرى تنموى فى ذات القرية، وقد حمل اسم «معهد حمدة المهنى الاجتماعى»، واستهدت من خلاله لتأهيل الطلبة مهنيًا وحرفيًا لسوق العمل بالمجان، إضافة إلى تأسيسها مشروع مدرسة «تريم» للأيتام التى تستوعب تعليم 350 طالبًا وطالبة فى جميع المراحل بالمجان، وقد أطلقت عليه هذا الاسم (اسم أبيها) اعترافًا بفضله ولمساندته الدائمة لها، كما داومت على البحث عمن هم فى أمسِّ الحاجة لمد يد العون لها، سواء فى إفريقيا أو فى أى بلد من بلاد العالم.
حكى لى والدها كيف أرادت بيع شىء عزيز عليها لاستكمال بناء المستشفى، فاشتراه منها، حكى لى أن أكثر من 40 مولودة فى مشروعات ابنته الخيرية بأوغندا سمّاهن أهلهن «حمدة».
«حمدة» كانت حديث مواقع التواصل الاجتماعى منذ أيام، حيث تداول البعض صورًا لها وهى وسط أطفال إفريقيا، كما نعاها عدد كبير عبر تلك المواقع، حتى الفنان حسين الجسمى كتب عبر صفحته على منصة «إكس»: «العطاء لا يموت.. الله يرحمها ويغفر لها ويصبّر أهلها وأحبابها».
كثير من الناس عرفوا «حمدة» باعتبارها من أشهر سائقات الدراجات النارية بالإمارات.. لكنهم بعد رحيلها اكتشفوا أنها صاحبة أعمال خيرية.. وكان الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، حاكم الشارقة، خلال زيارته مجلس العزاء، قد وجه بتخصيص مليون درهم من خلال جمعية الشارقة الخيرية لاستكمال مشروعات «حمدة» فى أوغندا.
بعد حكايات الأب الكثيرة عن ابنته، انتهى مجلس العزاء، فتركته بدموع الفقد فى عينيه، والزهو بما فعلته «حمدة» فى حياتها، وأثرها الباقى فى الدنيا بعد رحيلها.
نقلا عن المصرى اليوم