ياسر أيوب
لا تتشابه حكايات كرة القدم أو بطولاتها وملاعبها أيضًا.. فاللعب ليس دائمًا من أجل فوز وكأس أو بطولة، ولكن قد يكون أحيانًا من أجل مستقبل وحياة.. وفى الوقت الذى تستضيف فيه كوت ديفوار حاليًا بطولة أمم إفريقيا.. استضافت الصومال فى نفس الوقت بطولة استثنائية لتبقى كرة القدم هى العامل الوحيد المشترك بين البطولتين.. وفيما عدا ذلك لا تتشابه البطولتان.. فالبطولة الإفريقية فى غرب القارة تُقام ليتنافس الكبار والصغار على كأس يحلم بها ويريدها الجميع.. بينما تُقام بطولة الصومال فى شرق القارة للانتصار على الخوف والحزن والدم.. فمنذ 1991 لم تعد الصومال تعرف الهدوء والاستقرار أو الأمان.. حروب أهلية وصراعات مسلحة ومطامع إقليمية ودولية دفع ثمنها أهل الصومال خوفًا وعذابًا وموتًا واغترابًا.
ولم تكن كرة القدم بعيدة عن كل ذلك.. وقامت حركة الشباب الأهلية المتطرفة بتحريم لعب الكرة أو الفرجة عليها. وكان الموت هو العقاب الفورى لكل مَن يتم ضبطه متلبسًا باللعب أو حتى الفرجة عبر التليفزيون.. وبعد أن بدأ الصوماليون المقاومة، ظلت حركة الشباب تقوم بغرس القنابل فى أى تجمعات كروية.. وسقط بسببها ضحايا كثيرون، منهم رئيس اتحاد الكرة الصومالى، سعيد محمد أنور، الذى كان أحد ضحايا قنبلة انفجرت فى 2012. وسقط 120 قتيلًا فى تفجير آخر فى 2022.. وطيلة 30 سنة ظل استاد مقديشيو رمزًا ومكانًا للصراع بين الحياة، ممثلة فى كرة القدم، ومَن يكرهون كرة القدم لأنهم يكرهون الحياة.. وتحول هذا الاستاد معظم الوقت إلى ساحة تعذيب وإعدام، وسالت فيه دماء كثيرة، حتى كاد الصوماليون أنفسهم ينسون أنه أصلًا ملعب لكرة القدم. وبعد انتصار الصوماليين على أعداء الحياة، بدأوا يبحثون من جديد عن حياة ووطن.. كان من الضرورى رمزيًّا إعادة بناء وترميم هذا الاستاد بالتحديد لتأكيد انتصارهم.
ومنذ أيام قليلة، قرروا إقامة دورة أو بطولة استثنائية شاركت فيها فرق تمثل أربع مقاطعات صومالية.. جوبالاند وجالمودوج وهيرشابيل وبانادير.. وكان أجمل ما فى هذه البطولة هو آلاف الرجال والنساء، الذين أصروا على الذهاب إلى استاد مقديشيو ليس للفرجة على كرة القدم ومبارياتها، إنما لإعلان رفضهم أى تطرف وخوف واستسلام.. ذهبوا رغم تهديدات حركة الشباب بتفجير الاستاد، وكادت تنجح فى ذلك قبل بدء مباراة ما قبل النهائى لولا انفجار الحزام الناسف الذى كان يرتديه الإرهابى قرب مدخل الاستاد.. ورغم ذلك لم يخف الناس، وامتلأ بهم الاستاد تأكيدًا على أن كرة القدم عادت بالفعل إلى الصومال، وعودتها تعنى عودة الحياة إلى الصومال.. البلد الجميل الذى لا يزال يحلم، ويستحق الحياة.
نقلا عن المصرى اليوم