سامح فوزي
منذ نحو خمسة عشرة عاما، كنت أعد ندوة حول مواجهة ختان الإناث، تحضرها السفيرة مشيرة خطاب، الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة فى ذلك الحين، ومعها فريق العمل بالمجلس، وأبرزهم الدكتورة فيفيان فؤاد، والسيدة منى أمين، وكلاهما من الخبراء المهمين فى هذا المجال، وتعملان الآن على مبادرات مهمة فى وزارة التضامن الاجتماعى. وقد لاحظت أن الذين استعنت بهم فى تقديم خدمات للندوة يغلب عليهم الحذر، والامتعاض، وعدم الرغبة فى التعاون ــ أعنى بذلك من يعد اللافتات، والمطبوعات، وخلافه، وأحدهم امتلك جسارة الحديث، ودعانى إلى الابتعاد عن الخوض فى هذه الموضوعات، باعتبارها اجندة مفروضة من الخارج، وعندما ناقشته، وأظهرت له عدم صحة ذلك، ارتبك وغير دفة الكلام. دلالة ذلك أن المزاج الاجتماعى فى المجتمع المصرى فى التسعينيات كان محافظا، وأنا اتحدث عن الحضر فما بالك بالريف، وكثير من الناس كانوا يربطون بين ممارسة ختان الاناث، وبين التقاليد، والأعراف، وبعضهم يتحدث عن غير وعى بالواجب الدينى لهذه الممارسة، رغم أن المؤسسات الدينية فندت ذلك، وأكدت صراحة أنها عادة وليست شأنا يتصل بالدين.
ونتيجة الجهود التى بذلت على مدى عقود، جرى تجريم ممارسة ختان الإناث، واعتباره جناية فى المادة رقم 242 من قانون العقوبات، يعاقب بالحبس كل من يمارسها بالسجن من خمس إلى سبع سنوات، وتصل العقوبة إلى السجن 15 عاما إذا نتج عن ختان الفتاة عاهة مستديمة أو وفاة. ولم يكتفِ القانون بذلك، بل نص على معاقبة الأهل الذى يختنون بناتهم بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. وتشير الاحصاءات القومية إلى انخفاض نسب انتشار ختان الإناث، وتراجع تأييد السيدات لها، حيث انخفضت من 74% عام 2008 إلى 36% عام 2021 بالنسبة للفتيات من سن 15ــ17 سنة، وتراجعت نسبة تأييد النساء من سن 15 إلى 49 سنة لممارسة ختان الإناث من 75% عام 2000 إلى 30% عام 2021.
ولا تعرف الدول العربية ختان الاناث باستثناء مصر والسودان والصومال وبعض مناطق العراق.
فى السودان كشف إحصاء رسمى أجرته منظمة «يونيسف» عام 2015 أن نحو 86.6% من النساء والفتيات فى السودان تعرضن لختان الإناث، وأن 83% منهن تعرضن لما هو معروف بالختان الفرعونى (الذى يبتر فيه جزء من الجهاز التناسلى بشكل كامل). وقد طالبت الحقوقيات السودانيات بتجريم ختان الإناث فى اعقاب الثورة على نظام البشير عام 2018، وهو ما تحقق فى تعديل المادة 141 من القانون الجنائى فى 10 يوليو 2020، والتى قضت بعقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات والغرامة. وبالطبع يظل انفاذ القانون إشكالية كبرى، ولاسيما فى ظل الظروف الاستثنائية المعقدة التى يمر بها السودان فى الفترة الأخيرة.
ولا يختلف الوضع فى الصومال كثيرا عن السودان من حيث ممارسة ختان الإناث على نطاق واسع، وتصاعد أصوات النساء الرافضات لها، إلا أن ذلك لم يسفر عن نتائج ملموسة لمواجهتها، خاصة على الصعيد القانونى وتشير كثير من الشهادات الموثقة لفتيات خضعن لختان الإناث، إلى أن ما حدث ترك أثرا نفسيا غائرا لديهن، حال دون الاستمرار فى التعليم.
وفى مجال مكافحة ختان الإناث فى مصر ظهرت أهمية توعية الفتاة فى سن صغيرة، وتشجيعها على رفض هذه الممارسة فى حقها، وكذلك الأب أو الشباب، وليس فقط الأمهات والجدات والقابلات، باعتبار أنها عادة ذكورية، والتأكيد على مسئولية الأب فى حماية الفتاة، خاصة فى المناطق التى تشير الابحاث الوطنية إلى اتساع نطاق ممارسة هذه العادة بها، وهى الريف والأطراف، بعد أن تراجعت إلى حد بعيد فى المناطق الحضرية. هذا فضلا عن التشجيع على إبلاغ الجهات القانونية المختصة حال الكشف عن حالات ختان الإناث، التى لم تعد القابلات أو الدايات فقط تقوم بها، بل وجد أطباء وطبيبات يقومون بممارستها إما لأسباب دينية أو اجتماعية أو مادية.
وفى كل الأحوال اختارت الأمم المتحدة 6 فبراير من كل عام يوما سنويا للتأكيد على مناهضة ختان الاناث.
نقلا عن الشروق