ياسر أيوب
صعب جدًا أن يلعب الإنسان كرة القدم ضد أمه وأبيه وبلد كان من المفترض أن يكون بلده.. ولهذا فوجئ من يتابعون بطولة الأمم الإفريقية الحالية بلاعب مالى.. نينى دورجيليس.. يرفض الاحتفال بهدف جميل أحرزه فى مرمى كوت ديفوار بدور الثمانية.. رغم أن كل شىء كان يدعو للاحتفال والصراخ والرقص.. فالهدف كان جميلًا واستحق تصفيق وإعجاب الجميع.. وتقدمت مالى بهذا الهدف، ولم يبق على النهاية سوى 19 دقيقة فقط قد تصل بعدها مالى إلى قبل نهائى البطولة.. لكن لم يحتفل نينى.. ورغم خسارة مالى فى النهاية وانتصار كوت ديفور.
ظل كثيرون يتساءلون بعد المباراة عن سبب عدم احتفال نينى.. وتبين أخيرًا أن والدىّ نينى أصلًا من كوت ديفوار، وسافرا إلى مالى، حيث أنجبا نينى هناك.. وعاش نينى فى مالى كأحد أبنائها بالفعل، حتى احترف منذ ثلاث سنوات فى النمسا بنادى ريدبول سالزبورج.. ورغم أن مالى بالنسبة له كانت- ولا تزال- هى الوطن والانتماء، إلا أنه لم ينس فى أى لحظة أن كوت ديفوار هى بلد أمه وأبيه وبقية عائلته كلها.. وحين أوقعت القرعة مالى أمام كوت ديفوار فى دور الثمانية.. كان نينى واثقًا من أن أمه وأبيه يشجعان بلدهما كوت ديفوار، وفى نفس الوقت يشجعان ابنهما أيضًا.. وربما كان إريك سيكو، المدير الفنى لمالى، هو الأكثر إحساسًا بمشاعر نينى.
فإريك أيضا من مواليد كوت ديفوار، وقال فى المؤتمر الصحفى السابق للمباراة إنها قد تكون لكثيرين مجرد مباراة أخرى فى دور الثمانية، لكنها بالنسبة له مباراة فى المشاعر، بين مالى التى احتضنته وعاش فيها، وكوت ديفوار التى شهدت ميلاده وأيامه الأولى.. ولم يكن ما قام به نينى منذ أيام جديدًا على كرة القدم وملاعبها.. ففى المونديال الماضى فى قطر.. رفض بريل إمبولو، لاعب سويسرا، الاحتفال بهدفه فى مرمى الكاميرون، التى هى مسقط رأسه وعاش فيها سنواته الأولى.. ورفض السويسرى هاكن ياكين فى أمم أوروبا 2008، والألمانى مسعود أوزيل فى أمم أوروبا 2012 الاحتفال حين أحرز كل منهم هدفًا فى تركيا التى هى بلد الإثنين.. ورفض الفرنسى أنطوان جريزمان، فى مونديال 2018، الاحتفال بهدفه فى مرمى أوروجواى، احترامًا لأستاذه الروحى الذى كان من أوروجواى.. وبالتأكيد تبقى هذه الحكايات قليلة جدًا عند مقارنتها بلاعبى الأندية حين يرفضون الاحتفال بأهداف سجلوها فى مرمى أنديتهم السابقة.. وهنا تكثر الحكايات، لكن يتوقف الإعلام الأوروبى دائمًا أمام حكاية كريستيانو رونالدو مع مانشستر يونايتد، ومحمد صلاح مع تشيلسى، كأهم وأشهر وأجمل حكايتين عن الوفاء والاحترام فى كرة القدم.
نقلا عن المصري اليوم