في مثل هذا اليوم 12 فبراير 2012م..
جلال عامر كاتب وصحفي مصرى وُلد يوم 25 سبتمبر سنة 1952. تخرج من الكلية الحربية وشارك في ثلاث حروب مصرية وكان أحد ضباط حرب أكتوبر. يُعد أحد أهم الكُتاب الساخرين في مصر والعالم العربي. قامت محافظة الإسكندرية بتكريمه بإطلاق اسمه على شارع بمنطقة «بحري» بحي الجمرك مسقط رأسه.
“ترقد الطيور على بيضها ليفقس ويرقد الحكام على شعوبهم لتفطس”
لم يدع جلال عامر هما من هموم هذا الوطن إلا وكان أقوى المعارضين له فى حس ساخر تميزت به روح المصريين فى خطاب سريع الوصول للقارئ البسيط دونما تسطيح ولكن بكل العمق مسفها أحلام الطغاة والطامحين للسلطة فاضحا زيف الشعارات ومنظومة الاستبداد المتوارثة. كان جلال عامر شاهداً على مخاض الثورة وشاهدا عليها وقارئا ومتابعا لتداعياتها خاصة بعد أن اختطفها الانتهازيون وساروا بها عكس اتجاهها وأهدافها وزيفوا الحقائق لصالح حصد المغانم ولأن شر البلية ما يضحك وما يستحق السخرية فقد كانت كتابات عامر الساخرة تليق بما نعيشه من مساخر ناهبى الثورة وسارقى نارها المقدسة فيما يعد إعادة لانتاج منظمة الفساد والاستبداد والقمع والزيف.
فى مقالاته الأربع المتعاقبة والتى جاءت تحت عنوان "إعادة إنتاج الطغاة" يقول جلال عامر "يا بخت الحمير فى هذا البلد فعندنا «80» مليون إنسان نزرع لهم مليون فدان قمح و«2» مليون حمار نزرع لهم «2» مليون فدان برسيم". وقال عامر فى استنساخ الطغاة ورأس المال الذى بلا دين وتحولات الثورجية وعن الثورة التى تلقى بثمارها فى صالح من لم يشاركوا فيها: "تعمل الشمس (12) ساعة فى اليوم لتذهب الأرباح إلى الجالسين فى الظل، وتاريخ البشرية هو صراع بين الواقفين فى الشارع والجالسين فى القصور ورأس المال ليس له دين إلا فى الانتخابات فهل ما يتم الآن هو استنساخ الثورة أم استنساخ الطغاة؟.. إن «سعد زغلول» قائد الثورة أصبح غير «سعد زغلول» رئيس الوزارة فالتاريخ يعيد نفسه مرة على شكل «ثائر» ومرة على شكل «طاغية»، حتى «محمد محمود» أحد أهم صناع الثورة نفاه الإنجليز إلى مالطة وعاد من هناك طاغية بعد أن أذن فى مالطة. وكل نصاب يلزمه طماع، وكل دجال يلزمه جاهل، وكل طاغية يلزمه جبان. والذين يريدون أن «يحكموا» عليهم أن يبحثوا عمن يريد أن «يتحكموا» فالحب من طرف واحد «مرض» والحكم لطرف واحد «غرض» فصالحوا الشعب قبل أن يخاصمكم.
وفى حس ساخر عبر عن استغلال الدين كذريعة سياسية باعتبار الدين أفيون الشعوب وأن بضاعة ماقبل الثورة هى ذاتها بضاعة مابعدها مع تغيير التيكيت فقط وسخر ممن يعودون بالوطن ألف عام إلى الوراء قال: «الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية هى أن يكون عندنا «رئيس» اسمه «خليفة». ويبقى الحال على ما هو عليه فما نعيشه الآن هو مرحلة تغيير «التيكيت» على نفس البضاعة.
وقال عامر: إن التدين المزيف يؤدى إلى التخلف الحقيقى ومجتمعنا هو أفضل مصنع لإنتاج الطغاة. فليس بيننا وبين الحاكم «عقد اجتماعى» بل هو دائماً «عقد إذعان» وليس العيب فى الجماعة التى تسمع ولكن العيب فى المجتمع الذى يسمح. وتأمل حضرتك تحالفاتهم التى بدأت مع الملوك لضرب حزب الأغلبية وانتهت مع اللواءات ليصبحوا هم حزب الأغلبية فإلى اللقاء مع طاغية جديد.
وعن البرلمان الإسلامى مابعد الثورة بعدما اختطف الإخوان مغانم الثورة واستأثروا بها وأقصوا كل الفصائل السياسية الأخرى كتب جلال عامر يقول: «يا بخت المثقفين زمان كان يتم التلاعب فى حرياتهم وقريباً سوف يتم التلاعب فى أرواحهم ويقسم الإخوان أنفسهم إلى شٌعب فيقال شٌعبة «إمبابة» وشعبة «دمنهور» وشعبة «مطروح» لذلك انتقلنا إلى نوع جديد من الديمقراطية لم يعرفه فلاسفة اليونان هو «حكم الشعب بالشٌعب» مضى زمن الشٌعب المرجانية فى «شرم الشيخ» وجاء زمن الشٌعب الإخوانية فى «شرع الشيخ».
أن هذا هو برلمان «الثروة» وليس برلمان «الثورة» وتحدث جلال عامر عن الفقراء والبسطاء فى معادلة الثورة التى يمثل النظام «أيا كان عسكريا أو إخوانيا» أحد طرفيها فلا تنشط فى ظله سوى ماكينة الكلام فقال: «تعالى نتعرف جرالك إيه؟! فليس ضرورياً أن من يدافع عن الفقراء يجب أن يكون حافياً أو تجتمع الجمعية العمومية للذباب على وجهه وقد كان «أحمد شوقى» الثرى يصف الفقر أفضل من «حافظ إبراهيم» الفقير وقد عرفت مصر الفقر مع مجىء مجلس الشورى ضيفاً عزيزاً على شعب فقير.
ومن أجمل الأشياء أننا نقسم على الدستور فى غيابه ثم لا نحترمه فى وجوده واليوم كان من المفترض أن يكمل «خالد سعيد» عامه الثلاثين لولا «المخبرين» وأن تكمل الثورة عامها الأول لولا «المتربصين» وكلاهما تم تشويه وجهه. لم تصل الثورة إلى مائدة المصريين وارتبطت «الفاكهة» بوجود مريض وارتبطت «اللحمة» بوجود انتخابات وكأن الاختيار بين «حر» جائع أو «عبد» شبعان. لذلك على الدولة أن تترك مؤقتاً مراقبة الميادين وتتجه إلى مراقبة الأسواق فارتفاع الهتافات لن يخفض الأسعار لكن البطون الخاوية تنتج الميادين الممتلئة وعلى الشعب أن يلحظ أن النيل مازال يصب فى سويسرا وأن شيخاً واحداً سرقوا من بيته نصف مليون جنيه فاللصوص الجبناء لم يأخذوا بمواعظه عن مزايا الفقر وفضلوا أن يأخذوا نقوده فهذا زمن الشيوخ واللواءات أما المواطن فعليه أن ينزل فى هذا الصقيع لانتخاب مجلس شورى الجماعة لعله يعيدنا من صالة الديسكو إلى خريطة العالم أو على الأقل يعيد النقود إلى فضيلة الشيخ.
توفي جلال عامر فجر يوم 12 فبراير 2012م إثر إصابته بأزمة قلبية عندما شاهد مجموعة من البلطجية يهاجمون المتظاهرين فسقط وهو يردد عبارة «المصريين بيموتوا بعض».!!